السبت الموافق 21 - يونيو - 2025م

عماد عنان يكتب: هل تنجح موسكو في استمالة أنقرة لمعسكرها؟

عماد عنان يكتب: هل تنجح موسكو في استمالة أنقرة لمعسكرها؟

يتوجه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى أنقرة، اليوم الاثنين، في زيارة تستغرق يومين، يجري خلالها محادثات مع نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو، كما يشارك في اجتماع سفراء وممثلي تركيا الدائمين لدى المنظمات الدولية.

 

 

لافروف بحسب المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، يحمل في جدول أعماله عددًا من الملفات للنقاش على رأسها التعاون في سوريا وتنمية الروابط الاقتصادية، الأمر الذي يتسم بأهمية خاصة في ظل تصعيد التوتر في العلاقات بين واشنطن وأنقرة.

 

 

الزيارة تأتي في أعقاب الاتصال الهاتفي الذي جرى بين قادتي البلدين، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، وناقش الحرب الاقتصادية التي تتعرض لها أنقرة من قبل الولايات المتحدة على إثر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زيادة الرسوم على واردات الألومنيوم والصلب من تركيا وهو ما كان له تداعياته السلبية على الهبوط الحاد للعملة المحلية التركية (الليرة) بجانب بعض الأسباب الداخلية الأخرى.

 

 

تزامن الحرب الاقتصادية – بحسب وصف أردوغان – المعلنة حيال تركيا مع العقوبات المفروضة ضد إيران وروسيا دفع الكثيرين إلى الحديث عن احتمالية تدشين تحالف ثلاثي (تركيا – روسيا – إيران) لمواجهة سياسة ترامب العدائية التي لا تفرق بين حليف وعدو، فهل يمكن لكل من أنقرة وموسكو طي صفحة الخلافات واستغلال الظرف الراهن من أجل الانفتاح فيما بينهما في ظل وجود أرضية مشتركة مؤهلة لذلك تكون قادرة على مناطحة واشنطن خلال المرحلة المقبلة؟

 

 

 

مصير واحد

 

كل من تركيا وروسيا وإيران يواجهون نفس المصير تقريبًا فيما يتعلق بوقوعهم تحت مقصلة العقوبات الأمريكية، وفي خطوة وصفها محللون بـ “الساذجة” فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية ضد الدول الثلاث في نفس الوقت، وهو ما أثار حالة من الجدل، إقليميًا ودوليًا، وساهم نحو مزيد من التنديد بالسياسة العدائية الأمريكية.

 

 

ففي السابع من أغسطس/ آب الجاري، أعلن ترامب عن فرض حزمة جديدة من العقوبات ضد إيران، التي تقضي بإنهاء المعاملات المالية وحظر استيراد المواد الخام، وبعض المنتجات الصناعية، وفي العاشر من الشهر ذاته أعلن ترامب عن رفع رسوم استيراد الصلب والألومنيوم من تركيا، بنسبة 50 و20 بالمائة، وفي الثاني والعشرين ستدخل جملة من العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا حيز التنفيذ، على خلفية تسميم العميل الروسي المزدوج السابق سيرغي سكريبال بغاز الأعصاب في بريطانيا.

 

صحيفة “نيوز. ري” الروسية نشرت تقريرا تحدثت فيه عن تلك العقوبات التي يعتبرها السياسيون الأمريكيون الإجراء الأكثر فعالية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن تؤثر سلباً على المناخ الاقتصادي لهذه الدول الثلاث، خاصة أنها أثارت ردود فعل مشابهة تقريبا من قبل قادة الدول الذين كانت طرق تعبيرهم عن استيائهم من القرار الأمريكي مختلفة إلى حد ما.

 

 

عضو مجلس الشؤون الدولية الروسي، ماكسيم سواشكوف، استبعد في تصريحاته للصحيفة أن تكون العقوبات المفروضة على الدول الثلاث في الوقت نفسه محض صدفة، لافتًا إلى أن هناك نوايا مبيتة، كاشفًا أن “هذه العقوبات هي دليل على الاتجاه الذي تنتهجه الولايات المتحدة مع أولئك الذين تعتبرهم خصوما لها، أو حلفاء انحرفوا عن الطريق”.

 

 

سواشكوف اعتبر أن الإجراءات الأمريكية ضد هذه الدول تكتسي دلالة هامة، والأمر سيان بالنسبة للجدول الزمني للإعلان عن فرض هذه العقوبات، مضيفًا أن “فرض العقوبات ضد إيران أمر معروف وشائع منذ فترة طويلة، أما العقوبات ضد روسيا فهي رد فعل من قبل الكونغرس الأمريكي على السلوك المخادع للرئيس في هلسنكي، وتبديد الشكوك المتعلقة بالتعاون بين ترامب والكرملين في الانتخابات الرئاسية”.

 

 

فيما يعتقد مدير مركز تحليل النزاعات في الشرق الأوسط بمعهد الولايات المتحدة وكندا، التابع لأكاديمية العلوم الروسية، المستشرق ألكسندر شوميلين، أن تزامن العقوبات ضد طهران وموسكو وأنقرة هو موقف ظاهري ظرفي أكثر مما هو موقف متعمد، مؤكدًا أن “العقوبات الأمريكية تضع كلا من روسيا وتركيا وإيران في مركب واحد، مما يحتم على الدول الثلاث التعاون مع بعضها البعض”

 

لكنني لا أتوقع نشوء أي تقارب قوي فيما بينها.. هكذا أكمل شوميلين، الذي يرى أن المشكلة تكمن في “أنه لكل طرف من الأطراف الثلاثة أهداف ونوايا مختلفة، فمثلا لن تفضل تركيا البقاء في نفس المركب مع روسيا وإيران، فيما ستختار إيران مزيد التقرب من روسيا. ومن ناحيتها، لا يزعج روسيا البقاء في نفس المركب مع كل من تركيا وإيران”.

 

 

إلا أنه في الوقت ذاته يرى أن موسكو ستحاول استغلال التناقضات بين أنقرة والغرب، وإنما يمكنهما الاستفادة من بعضهما البعض في الوقت الحالي، في ظل تشابه الظروف ووحدة المصير وضرورة التصدي للحرب المعلنة على الجميع والتي يشنها ترامب منذ قدومه للبيت الأبيض.

 

 

 

موسكو- أنقرة.. بين التحالف والتفاهمات المؤقتة
ما تتلفه السياسة يرممه الاقتصاد، وما يجمع روسيا وتركيا أكثر مما يفرقهم، وفي ظل تسارع الأحداث في المنطقة وفي العالم بشكل أقل حدة، يكون من المنطقي توقّع تبدّل الاصطفافات والانحيازات إذ أنه لا ثوابت في عالم السياسة، فالمصالح هي البوصلة التي تحدد قبلة الدول وتوجهات الأنظمة.

 

 

ورغم الخلاف السياسي بين موسكو وأنقرة حيال العديد من الملفات، بدءا من صراع النفوذ في البحر الأسود إلى آسيا الوسطى إلى القوقاز (ناغورني كاراباخ) إلى ملف القرم وصولا إلى القضية السورية، إلا أن المستجدات التي طرأت على الساحة خلال السنوات الخمس الأخيرة ساهمت بشكل كبير في تخفيف حدة التوتر بين الدولتين.

 

 

ويعود الفضل في تطوير العلاقات التركية-الروسية خلال الآونة الماضية إلى أردوغان وبوتين، فمنذ صعودهما إلى السلطة، وشراكة الجانبين في تطوّر، لاسيما فيما يتعلق بالتبادل التجاري بينهما الذي انتقل من 4.5 مليار دولار عام 2000 إلى حوالي 40 مليار دولار العام الماضي، وهناك خطط بزيادته إلى 100 مليار دولار، فضلاً عن المشاريع المشتركة كخط أنابيب نقل الغاز “ترك ستريم” الموقع عام 2016.

 

 

الزعيمان نجحا خلال الأشهر الأخيرة في تجاوز العديد من محطات الخلاف التي كانت سببًا في تعميق التوتر بينهما، منها ما يتعلق بالتدخل الروسي في جورجيا وضم جزيرة القرم وإسقاط تركيا لمقاتلة حربية روسية، هذا بخلاف اغتيال السفير الروسي في أنقرة والذي اعتقد خبراء وقتها أنه سيرفع درجة الخلاف بين الدولتين، غير أن النتائج جاءت عكسية بصورة كبيرة.
وقبل أيام أعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها عن استعدادها إلغاء تأشيرات الدخول لبعض فئات المواطنين الأتراك كرجال الأعمال وخلافهم في خطوة فسرها البعض بأنها إيجابية نحو تدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين تأتي في إطار طي صفحة الخلافات وفتح صفحة جديدة.

 

 

علاوة على ذلك لو وضعنا تطور العلاقات بين أنقرة وطهران ربما يتضح المشهد بصورة أكبر، كونه يأتي في أطار تقوية الاحتمالات بخلق حلف ثلاثي بينهم في ظل استمرارهم في التواصل في عدة ملفات، وقد كان تصريح أردوغان قبل أشهر لافتاً عندما قال إن استقرار إيران مهم لتركيا، على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن إيرانية، رسالة واضحة للإيرانيين، تعمق التعاون بين البلدين، فأنقرة مرتبطة بشراكات اقتصادية واسعة مع طهران كالتخلي عن الدولار في المعاملات الثنائية، كما أن حجم التجارة بين الجانبين ازداد مؤخراً، والنفط الإيراني يعدّ أحد مصادر الطاقة في تركيا.

 

 

القمة الثلاثية بين بوتين وأردوغان وروحاني، التي عقدت في موسكو إبريل الماضي، جسدت وبصورة كبيرة ملامح التحالف المحتمل بين الدول الثلاث، هذا التحالف الذي يسعى من خلاله الرئيس الروسي إلى إقامة محور نقيض للحلف الأطلسي، ويتجاوز تأثيره سوريا والمشرق، ليصل إلى مستوى إعادة تحديد قواعد اللعبة في العالم بأسره.

 

 

محللون ذهبوا إلى أن هذا التحالف الثلاثي إن تعزز، فسيؤسس لمستقبل جديد على امتداد أوراسيا، فستكون روسيا الارثوذكسية قد تحالفت مع إيران الشيعية وتركيا السنية في مواجهة مشروع أمريكي يريد أن يستثمر في المعركة المذهبية في المنطقة، في ظل توافر البيئة الحاضنة لنشأة مثل هذا الكيان الذي قد يكون فرس الرهان خلال المرحلة المقبلة.

 

 

وفي المجمل فإن الاقتصاد الروسي يحتاج اليوم إلى الاقتصاد التركي، تماماً كما أن الاقتصاد التركي في حاجة إلى الاقتصاد الروسي، ومن هنا يمكن فهم توطّد العلاقات بين البلدين خلال الفترة الماضية، مع إدراك الجانب الروسي بأن تركيا مقيّدة بعضويتها في حلف شمال الأطلسي من جهة، وإدراك الجانب التركي بأن روسيا في موضع النقيض لهذا الحلف.

 

 

 

ومن ثم فإن الإطار الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران يحمل إمكانات التطور لاحقاً ليشكل «أرضية» أو إرهاصات لتشكيل محور «شرقي» في المنطقة، في حال استمرت العلاقات المتوترة للغرب مع هذا الثلاثي، وهو ما يذهب إليه البعض في ظل إصرار ترامب على سياساته العدائية.

 

 

فرصة تاريخية أمام موسكو لاستمالة أنقرة إلى معسكرها بعد توتر علاقاته بالغرب، وهي المحطة التي طالما سعت إليها طيلة السنوات الماضية غير أن الظروف وقتها لم تكن مواتية، ويبقى الدعم الروسي المنتظر للوقوف إلى جانب تركيا في أزمتها الاقتصادية الحالية المحك الذي من الممكن أن يقلب الطاولة ويعيد رسم خارطة التحالفات الإقليمية مجددًا.

 

 

وفي المقابل لا شك أن مثل هذه التحركات ستثير حفيظة العديد من القوى الإقليمية والدولية، على رأسها الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل بجانب حلف الأطلسي كذلك، غير أن الأزمة التي تعصف بالمحور الثلاثي المحتمل تجبر الجميع على إعادة ترتيب أوراقه بما يحقق مصالحه بعيدًا عن الارتباطات الأيديولوجية التي لا فائدة من ورائها، فهل تكون زيارة لافروف لأنقرة اللبنة الأولى نحو تدشين هذا التحالف؟

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[ad 3]
[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 82326200
تصميم وتطوير