صوت شارعنا الوديع صار ضجيجا.. معبق بالجلبة وموشوم بالصراخ.
جارتي الصبورة تطلب من زوجها الطلاق بأعلى نوتات صوتها لأن بطاقتهم الذكية فارغة وشريعة رب البيت تقضي بأن الخبز الأبيض في الأيام الغرابيب حرام.
الشيخ (سليم) يطلق آهة مشروخة على ساقه المكسور لأن ضوء المدخل دوما منطفيء حتى في الليل المعتم، ويفكر في ثمن الجبر الذي جاء قبل بداية شهر المعاش الصغير الجديد بكثير.
سائق الخنفساء السوداء يلكم مدير الإدارة لكمة زرقاء لأنه أصر على الدفع بالتعريفة القديمة، وبائع أنابيب الغاز يقسم بكل منحط ألا يعود مرة أخرى لبيتنا الفقير.. ويناوش هواء الطريق بقداحة لسانه العوراء فيشعله بالسباب و بالغيظ الملوث ليحرق أعصاب الجميع ويكمل السعر الانتهازي بالمهانة.
يصرخ الجمع المتجمهر بعد فراغ صبر وبطن:
“كل ما في المجمع الإستهلاكي مكرور، إمتلأت البيوت بالأرز فأين الزيت والسكر؟؟”.
يغلق الموظف الباب بحجة عطل الشبكة المعتاد ليؤدب الجمع المتذمر.. فلا يسمع بعد ذلك سوى قرقرات البطون الخماص.. وهمهمات الاسترضاء المتذللة.
عصافير الكناريا التى هزلت تحاول الطيران بصعوبة من شباك (الجدة) التى أطلقتها مرغمة ذات صباح، وبكت على ببغائها المؤنس حين مات ثم شهقت شهقة سحيقة فلحقت به..
أكلت القطط المتضورة صدرور العصافير وخلفت الأجنحة..
وتسبب موت الجدة في ورطة مالية كبيرة لسكان الشارع كله لم يخرجهم منها سوى مقابر الصدقات.
الفتيات ينتظرن المجهول في الشرفات التى وهنت، والفتيان يركلون التقديرات (جيد_ جيد جدا_ امتياز) ككرة مثقوبة مع حجارة الشارع الذي قضم نعالهم جيئة وذهابا بحثا عن عمل.. ويتعرقون على أرصفة الملل حنقا دون احراز أي هدف مستقبلي يذكر.
الكل يطأطيء رأسه للحتمية حين يمر بجانب كوبري البحر الخرساني الذي مازال تحت الإنشاء..ذلك الغول الكبير.. أغلق السماء وأعاق النوارس.
وأنا بعد محاربة الغلاء بالاستغناء.. أفكر في كتابة مقال عن توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وزراعة أسطح المنازل بالخضراوات، وعن ضرورة تقليص سنوات الدراسة للمتفوقين باجتياز صفوفهم الدراسية كما يحدث في كل بلد مازالت تعمل عقلها.. ثم أتذكر أن لا أحد من المسئولين يحب القراءة فأكتفي بالدعاء.
كلما ارتفع صوت الشارع أكثر.. أحاول التلهى بصوت فيروز أبحث عنه في مذياعنا القديم وغالبا لا أعثر عليه.. فتسد أذني الضوضاء المتصاعدة حد الصمم.
التعليقات