مقدمة
في ظل التحولات السياسية والأمنية التي يشهدها العراق منذ سنوات، تتزايد المخاوف من انهيار الدولة العراقية نتيجة هيمنة النظام الإيراني على مفاصلها المختلفة. في مقابلة مع صحيفة “لوموند” الفرنسية، قدّم العالم الاجتماعي العراقي عادل بكوان تحليلاً معمقاً لهذه الظاهرة، موضحاً كيف أن النفوذ الإيراني المتزايد يقود العراق إلى تفكك متسارع، مع تراجع سلطة الدولة المركزية وصعود قوى مسلحة تابعة لطهران. في هذا المقال، نستعرض أبرز عوامل هذا الانهيار وآثاره على مستقبل العراق.
هيمنة النظام الإيراني وأسباب التفكك
يرى بكوان أن انهيار الدولة العراقية يرتكز على عدة عوامل مترابطة، أهمها تلاشي السلطة المركزية في بغداد التي أصبحت أسيرة للأحزاب والفصائل المذهبية، وانتشار الفساد في مؤسسات الدولة كافة، من الجيش إلى الشرطة والخدمات العامة. النظام السياسي الذي تأسس بعد الغزو الأمريكي فشل في تحقيق الوحدة الوطنية، مما فتح الباب أمام تدخل قوى خارجية، كان النظام الإيراني أبرزها.
اتبعت طهران استراتيجية مزدوجة لتعزيز نفوذها: دعم الفصائل الشيعية المسلحة، التي دمجت بعضها في مؤسسات الدولة مثل “الحشد الشعبي”، والسيطرة على الاقتصاد عبر البنوك والمنافذ الجمركية والعقود الحكومية. بهذا الأسلوب، بات النظام الإيراني قوة “نيو-إمبريالية” تفرض هيمنتها دون احتلال عسكري مباشر، ما أدى إلى إضعاف السيادة العراقية بشكل كبير.
الحركات الاحتجاجية التي ظهرت في السنوات الأخيرة حاولت مواجهة هذه الهيمنة عبر المطالبة بإصلاحات هيكلية، لكنها قُمعت بعنف من قبل الفصائل المسلحة الموالية لإيران. كما أن النظام السياسي يضمن إقصاء أو ابتلاع المرشحين المستقلين، حفاظاً على توازنات القوى الطائفية التي تخدم مصالح طهران.
الخاتمة: واقع العراق ومستقبل غير مستقر
يخلص بكوان إلى أن العراق لم يعد دولة ذات سيادة حقيقية، حيث تُتخذ كل القرارات الكبرى وفق مصالح النظام الإيراني، والجيش النظامي أضعف من أن يواجه هذه الهيمنة. على الرغم من وجود النفوذ الأمريكي العسكري، إلا أن تأثيره السياسي والأيديولوجي ضعيف مقارنة بالنفوذ الإيراني.
هذا الوضع خلق “استقراراً سلطوياً” مفروضاً بالقوة، يقضي على أي محاولة للإصلاح أو مركزة السلطة. مع ذلك، يشير بكوان إلى أن هذا الاستقرار هش وغير مستدام، إذ تتزايد المعارضة داخل القاعدة الاجتماعية الشيعية نفسها، مما ينبئ بتغيرات مستقبلية قد تعيد تشكيل المشهد العراقي.
في النهاية، يظل العراق أمام تحدٍ كبير يتطلب جهوداً وطنية وإقليمية ودولية للتصدي لهيمنة القوى الخارجية، واستعادة سيادته ووحدته الوطنية قبل أن يتحول التفكك إلى انهيار كامل يصعب تداركه.
التعليقات