Site icon جريدة البيان

محمد الإمبابي يكتب.. على طريق للديمقراطية

لايوجد فصيل سياسي في دولة ما إلا وتحدث عن الديمقراطية ووجوب تحقيقها لجني فوائدها، وحتى الأن لم تستطع الدول العربية كيفية الوصول لنموذج ديمقراطي يحاكي أو يقترب من الديمقراطيات الأوربية، التي تحققت في أوربا بعد قرون من الصراعات الدينية والفكرية، فما وصلت أوربا للديمقراطية بين عشية وضحاها، بل ذاقت الأمرين على يد الدهماء ورجال الكنيسة وحتى بعد أن بدأت تخطو أوربا نحو الديمقراطية، ظهر لها حكام وأحزاب وصلوا للحكم بالأجراءات الديمقراطية ثم هدموا الديمقراطية وأجراءتها التي أوصلتهم، فما وصل هتلر للحكم إلابانتخابات ديمقراطية، وبأصوات الجماهير الألمانية.

 

المطالبة بالديمقراطية لها أكثر من هدف من كل المنادين بها، وكل فصيل يستطيع أن يتحدث عن الديمقراطية كما يحلو له ككلمة رنانة مقبولة لم يتم تشويهها بعد، لكن هلي يمكن للدول العربية أن تصل للديمقراطية في ظل تربص التيارات المتطرفة من جماعات متشددة تترصد لشعوبنا العربية وتتطلع لاستغلال الديمقراطية كسُلم تنتهي الحاجة إليه بمجرد الصعود!!

مقومات أساسية لابد من توافرها للديمقراطية حتى يتم صيانتها وحمايتها من المتربصين بها، يأتي على رأسها التنوير، وهو عملية تبدو سهلة في التعريف، صعبة في التطبيق، فالتنوير كما عرفه إيمانويل كانط، يعني أن لاسلطان على الإنسان سوى عقله وعقله المقصود عند كانط هو عقله الناقد الذي ينتقد مايدور في عقله ونفسه من أفكار وأراء بناء على معرفة وليس على أراء انطباعية أو إشاعات أو افتراءات، ولاسلطة غير سلطة العقل المستنير على الإنسان في ذلك، وأشد مايعترض طريق التنوير هو الفتاوي الغريبة والشاذة التي يخرج بها المتطرفين يوميا باسم الدين وهي فتاوي لايخرج هدفها عن السيطرة على البسطاء والعامة بتحريم هذا وتحليل ذاك، ضمانًا لوقوع العامة تحت سيطرة رجال الدين الطامحين للسلطة السياسية بعد أن نالوا السلطة الروحية.

 

أما العلمانية والتي تعتبر سيئة السمعة-خلافا للحقيقة- في المنطقة العربية فهي لاتعني أكثر من اللجوء للعلم والذي هو بطبعه عالمي لايتوقف عند شخص أو دولة.

 

 

بدأت العلمانية في العالم مع كتاب “عن دوران الأفلاك” للعالم نيقولا كوبرنيكس والذي شرح فيه نظريته عن دوران الأرض وهو ماكان بمثابة صدمة للدهماء في أوربا من رجال الكنيسة، فقاموا بتكفيره وتحريم كتبه، ثم تبع كوبرنيكس أجيال من العلماء والمستكشفين الذين ساهموا في نشر العلم والاحتكام إليه فالعلم هو سبب ماوصلت إليه البشرية حتى الأن فالسيارة علم والطائرة علم حتى الطعام ومعرفة قيمته الغذائية هي علم توصل إليه علماء مختلفين بمجهود علمي بحثي خالص خاضع للتجربة العملية النابعة من التفكير العقلي الناقد والباحث عن علاقات جديدة بين الأشياء دون النظر لمعوقات رجال الدين.

 

ولايمكن الوصول للعلمانية والاحتكام للعلوم في تنظيم الشئون الحياتية بغير إنجاز عملية التنوير من خلال ألياته المتعددة والمختلفة، بنشر الفكر والفنون وتربية النظرة النقدية للأفراد، التي تساعدهم على تسيير ظروفهم واحتياجاتهم وتدبير حياتهم الخاصة من وجهة نظر مستنيرة متعلمة، وبالانتقال لعلمانية الفكر تبدأ عملية البحث العلمي والأجتماعي والأقتصادي والتي يحاول من خلالها الإنسان تحسين وضعه بناء على فهم علمي أكثر اتساعا وكشفا للحقيقة.

 

 

تأتي المرحلة الأخيرة لتطبيق الديمقراطية من خلال نموذج الليبرالية الحديثة وهناك فارق جوهري وأصيل بين الليبرالية الكلاسيكية الناشئة مع بداية العصر الصناعي في أوربا والليبرالية الحديثة التي تطورت عبر سلسلة من التغييرات والتعديلات حتى تتحول من ليبرالية كلاسيكية ترى أن الفرد عليه خوض الحياة بمجهوده ودون تدخل من أحد في تشكيل نجاحاته، إلي ليبرالية حديثة-سائدة في معظم أوربا الأن- ترى أن الدولة عليها مساعدة الفرد في تحقيق ذاته سواء ببرامج الحماية الإجتماعية وتقديم خدمات الرفاة من تعليم وتدريب لصحة ومسكن تُمكن الإنسان من النهوض بنفسه ومن ثما بمجتمعه.

 

ونستطيع تلخيص ملامح دولة الديمقراطية الليبرالية كما لخصها أندرو هيود في النقاط الأتية:
– الحكومة الدستورية القائمة على القواعد الرسمية والقانونية.
– ضمان الحريات والحقوق لأبناء الدولة.
– الانتخابات المنتظمة ومبدأ الاقتراع العام متضمنا صوت واحد لكل مواطن.
– وجود مجتمع مدني صحي تتمتع فيه الجماعات والنقابات بالاستقلال.
– قيام اقتصاد المشروع الخاص -رأسمالي- وفقا لقوانين السوق وتنظيم الدولة للإقتصاد وهو مايعرف بأسم الإقتصاد المدار، الذي تضع الدولة قوانينه وشروطه وتترك للأفراد حق المنافسة داخله.

 

وبعد استيفاء التنوير وتغليب العلم أو العلمانية ثم الليبرالية الإقتصادية والسياسية، فنستطيع حينها الحصول على ديمقراطية ليبرالية سليمة، تهتم فيها الحكومة بالفرد وشئونه، شريطة قيام المواطن بما عليه من واجبات وإلتزامات يؤديها الفرد تجاه نفسه وتجاه الدولة.

Exit mobile version