تقرير إخباري / أبو المجد الجمال
هل تطيح كارثة زهور كفر السنابسة بالمنوفية بكل المسئولين عن صناعة “مصيدة الموت” كل يوم علي الطريق الإقليمي للباحثين عن لقمة عيش حلال تسد رمقهم في زمن الوباء والجوع والبطالة وسنينها؟!
تشير التقارير الصادمة “التي لم ولن تغير من الواقع المأساوي الكارثي شئ” إلي أن حوادث سابقة منها حوادث قطارات مزلزلة أطاحت بوزير النقل مرة واحدة فقط كما أطاحت ب ٤ رؤساء هيئة للسكك الحديد ونوابهم لكننا في حوادث الطرق المتكررة كل يوم والتي تحصد أرواح الأبرياء دون ذنب أو جريرة لم تطيح بعد بكل صناع “مصيدة الموت” علي الطرق لأن ثمن حياة البني آدميين عند الحكومة أرخص من حياة – ولا مؤاخذه – البقر . . إذ تكتفي الحكومة – اسم الله عليها – في كل حادثة تتكرر بدفع ١٠ آلاف جنيه تعويضات للمصابين و٥ أضعافهم لأسر الضحايا في كل الحوادث السابقة عبر وزيرة التضامن الإجتماعي وحتي لا يكلف أي مسئول نفسه عناء الانتقال إلي مكان الحادث المروع أو تقديم واجب العزاء لأسر الشهداء رغم المسئولية السياسية التي تقع علي عاتقهم عن كل حوادث القطارات والطرق التي يسقط فيها ضحايا ومصابين ولم يتقدم أحدهم بالاستقالة ويعلن في شجاعة مسئوليته السياسية الكاملة علي خلفية حوادث القطارات والطرق . . علي عكس ما يحدث في معظم دول العالم بأن يقدم المسئول استقالته بل ويحاكم أيضا في أي واقعة إهمال حتي ولو كانت بسيطة تضر بأي مواطن أيا كان بل أحيانا تتقدم الوزارة بأكملها بالاستقالة . . لكن في مصر لا يمكن أن يحدث ذلك أبدا طالما أن قانون “محاكمة الوزراء” مازال حبيس ثلاجة البرلمان الذي لم يعد “سيد قراره” . . المدهش والمثير يحدث ذلك في الوقت الذي تقرر فيه استدعاء كل رؤساء مدن مصر السابقين من ٢٠٠٨ حتي ٢٠٢٠ لمحاسبتهم علي تضخم ثرواتهم وممتلكاتهم . . وعجبي!
في مصر يفجع المصريين سنويا في نحو ٥٦ ألف حادث تحصد الأرواح نتيجة للإهمال القاتل لتقيم نحو ٧ آلاف أسرة مصرية “مأتم كبير” علي فقدان أحد أفرادها وفقا للإحصائيات الحكومية المرعبة والمفزعة . . ورغم ذلك لم تفادي الحكومة حتي الآن سيناريو تكرار تلك الحوادث البشعة التي يشيب لها الولدان ويدفع ثمنها فقط الناس الغلابة إلا بتحرك عاجل من الرئيس السيسي شخصيا !
رسميا وفي انتفاضة إنسانية عاجلة ورائعة لمواجهة طريق الموت أمر الرئيس عبد الفتاح السيسي بإصلاح عاجل لكل الطرق بما فيها الطريق الإقليمي والتأكد بصورة واضحة من وجود الإرشادات في مناطق الإصلاح وتعديل مسار الطريق والعمل على إزالة العوائق التي ينجم عنها الحوادث على هذه الطرق بشكل فوري فضلا عن مراقبة السرعة عليها وأمر وزارتي التضامن الاجتماعي والعمل بزيادة تعويضات ضحايا كفر السنابسة علي الطريق الإقليمي لتصل في إجمالها إلي نصف مليون جنيه لكل حالة وفاة و٧٠ ألفا لكل مصاب
برلمانيا انتفض نائب دائرة شبين الكوم بالمنوفية هاني خضر وزلزل الأرض تحت أقدام الحكومة ووجه بيان عاجل لكل من رئيسها الدكتور مصطفى مدبولي ونائبه ووزير النقل والصناعة الفريق كامل الوزير مطالبا فيه بتشكيل لجنة فنية برلمانية مشتركة مع وزارة النقل لمعاينة الطريق وتحديد أماكن الخطر وفتح تحقيق عاجل للوقوف على أسباب الحادث الأخير والحوادث السابقة والمتكررة مع محاسبة المسئولين عن التقصير في تأمين الطريق مؤكدا أن الحادث جاء نتيجة تنفيذ أعمال صيانة جارية على الطريق منذ أشهر طويلة لم تراع فيها إجراءات السلامة ما يدق ناقوس الخطر
أمنيا ألقت أجهزت الأمن القبض علي سائق النقل الثقيل “التريلا” بعد أن فرا هاربا من مكان الحادث وتبين أن الحادث ناجم عن السرعة الجنوبية وتمت إحالته للنيابة العامة التي وجهت له تهمة التسبب في مصرع ١٩ فتاة وقررت إجراء تحليل مخدرات له
حكاية كل يوم تسعة عشرة زهرة من زهور الربيع الطلق تتفتح في عمر الأمل من قلب بساتين الحياة حملن علي كاهلن مسئولية تئن من حملهن الكبار أطفال وبنات كبروا قبل الأوان ولم يعيشوا طفولتهم راحوا يشقون جبال الصمت بفؤوس الأمل لتضخ الدماء في شرايين الحياة المتوقفة بعد أن قتلها الجوع الكافر والفقر المدقع في قواديس الإهمال والنسيان علي أطراف قرية منسية في محافظة الوزراء “المنوفية” ولدت المأساة من رحم مصيدة الطريق الإقليمي في يوم الجمعة الحزين في قلوب المصريين وقلب كفر السنابسة ذلك الكفر الذي يأكله براثن الإهمال والموت في عهد المحافظ اللواء النشط إبراهيم أبو ليمون المشهور بصائد “حيتان الفساد” إبان عمله السابق في الرقابة الإدارية لكن يبدو أن بريق الكرسي والمنصب يجعل المسئول يتغاضي أحيانا عن أشياء كثيرة كان لا يمكن له أن يتنازل عنها قبل توليه المسئولية فيبدو أن محافظ المنوفية قبل توليه مواليد أمور المحافظة ليس هو محافظة المنوفية بعد توليه المنصب فزهور الربيع التي جفت الدماء في شرايينها للأبد علي الطريق الإقليمي في حادث تصادم تريلا ضخمة ب ميكروباص يقلهن للعمل من أجل سد رمقهن ورمق أخواتهن في ظل الجوع الكافر في زمن وباء البطالة المستمر الذي يعانق زمن سباق سائقي التريلات والميكروباصات علي طريق الموت الإقليمي للفوز بأكبر عدد من الأدوار لنقل الركاب والبضائع علي جثث الضحايا دون أي رقابة أو وازع من دين أو ضمير هو أكبر مثال صارخ وفاضح علي ذلك
لأن الشئ بالشئ يذكر فقد تلقي محافظ المنوفية واجب العزاء في كفر السنابسة بمركز منوف في شهيدات لقمة العيش ال ١٩ فتاة اللاتي قتلتهن يد الإهمال وشارك في العزاء السكرتير العام للمحافظة والسكرتير العام المساعد للمحافظة والمستشار العسكري للمحافظة وبعض نواب رئيس الجامعة ووكلاء وزارات الأوقاف والصحة والتعليم والتضامن الاجتماعي بالمحافظة ورئيس مركز ومدينة منوف ورئيس جمعية الهلال الأحمر بالمنوفية ولفيف من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ والشخصيات العامة ومفتي الجمهورية السابق الدكتور شوقي علام . . لكن يبقي السؤال الأهم والأخطر : هل رفع المحافظ مذكرة عاجلة لرئيس الحكومة يطالب فيها باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع تكرار نفس سيناريو الموت اليومي علي الطريق الإقليمي ؟!.
وراء كل فتاة في عمر الزهور خطتفها “مصيدة الموت” في لمح البصر علي الطريق الإقليمي عند كفر السنابسة حكاية وقصة ومأساة تدمي القلوب . . مأساة أم التوائم الثلاثة “آية وسمر وأسماء” يعجز القلم عن أن يعبر عنها وتعجز كل قواميس العالم أن توصفها الوصف الدقيق الذي يليق بجلالة الحدث الدامي تصرخ في وجه وباء الإهمال وتقول الحقونا : “٣ بنات في عمر الزهور خرجن في الصباح الباكر حاملين همي وهمهم في كفة قوتي وقوتهم في كفة أخري كالرجال وكنت حمله همهم صغارا وكنت بقول لما يكبروا ح يحملوا همي لكن من الأن فصاعدا سأحمل ذكريتهن العطرة في قلبي مش عرفه ح أعيش ازاي من بعدهن تقلتني الوحدة الموحشة وذكري مصابهن الأليم . . سمر كانت بتحوش لاستكمال دراستها وآية كانت بتجهز نفسها وأسماء كان تشدو لي ساعة الفجر حتي أستيقظ علي صوتها الجميل لكن لا أملك إلا أن أرفع أكف الضراعة وأقول يارب صبرني”
صدمة والد عروسة كفر السنابسة شهيدة طريق الموت يعجز القلم عن رصدها يقول : أن فرح ابنته كان بعد ٢٠ يوما وجهزها ب نصف مليون جنيه وحتي هذه اللحظة لا يصدق أنها في عداد الأموات !
الخلاصة من رحم الإهمال تولد المأساة تبوح بالآنين وتموج بالحزن والألم الذي يلاطم أمواج الغضب بما يمنع وصول السفينة لبر الأمان بمجاديف الأمل المفقود في إرث تراكمي من الإهمال الذي يفلت من العقاب – أي عقاب – ولا تزلزل المأساة ولا تحرق قلوب بعض هؤلاء الذين يجلسون في المكاتب المكيفة ويعيشون في “جزر منعزلة” بعيدا عن آلام الشارع ونبض المواطن الغلبان ويشربون السيجار المستورد ليتطاير فيض دخانهم في سماء مملكة الإهمال علي أشلاء الضحايا التي تسقط كل يوم تحت عجلات نزيف الأسفلت لينزف كل بيت مصري ولا تنزف قلوب أباطرة الإهمال القاتل “لأنهم لم يتجرعوا من كأس إهمالهم” لتتكرر المأساة التي يدفع ثمنها فقط أولاد “الناس الغلابة” الباحثون عن لقمة عيش حلال تسد رمقهم في زمن الوباء والجوع الكافر وغلاء المعيشة الفاحش والبطالة المقنعة وسنينها! ليجدوا أنفسهم “نعوش طائرة” شهداء “لقمة العيش” تحت عجلات نزيف الإهمال ولا يخيم الموت علي صناعه في كل بيت مصري يقيمون فيه “مأتم كبير” . . واكفي علي الفضائح ماجور فلن يحاكم “صناع الموت” وسنينه وتلك الحقيقة العارية في كارثة زهور كفر السنابسة وكل كفور ونجوع مصر وقراها !.