تشهد الساحة الدولية تصعيداً غير مسبوق في الملف النووي الإيراني، مع تزايد الضغوط الأميركية وتصريحات صارمة من كبار المسؤولين في واشنطن، مقابل خطاب إيراني متناقض ومرتبك بين الدعوة إلى الحوار ورفض أي تنازل جوهري. الجولة الرابعة من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في عُمان انتهت دون تحقيق أي اختراق حقيقي، لتكشف مجدداً عمق المأزق السياسي الذي يواجهه النظام الإيراني، المحاصر بين خطوط حمراء أميركية لا تقبل المساومة، وواقع داخلي يمنعه من تقديم التنازلات.
واشنطن: لا تسامح مع أي بُعد عسكري… وتفكيك كامل للبرنامج شرط أساسي
في موقف حازم، شدد جيمز بلر، نائب رئيس ديوان البيت الأبيض، على أن الإدارة الأميركية لن تقبل بأقل من نزع كامل لأي بُعد تسليحي في برنامج إيران النووي. بلر أوضح أن الغاية هي ضمان عدم امتلاك طهران لأي قدرة على إنتاج سلاح نووي، وأن أي برنامج تخصيب ذي طابع عسكري أو منشآت مرتبطة به يجب أن يُزال تماماً. السيناتور تِد كروز، من جهته، أكد أن الهدف الوحيد المقبول هو تفكيك شامل للبرنامج النووي الإيراني، وصولاً إلى تدمير أجهزة الطرد المركزي، مشدداً على أن إدارة ترامب لن تتهاون مع نظام “كاذب وعدواني”، وأن الخيار العسكري يبقى مطروحاً إذا رفضت طهران الاستجابة.
هذه التصريحات تأتي في ظل تحذيرات متكررة من البيت الأبيض بأن أي اتفاق يجب أن يضمن بشكل كامل عدم قدرة إيران على امتلاك سلاح نووي، مع التأكيد على أن أي تهاون في هذا الملف سيُقابل برد حاسم، وأن المفاوضات لن تستمر إلى ما لا نهاية.
طهران: ازدواجية الخطاب بين الحوار ورفض التنازل
في المقابل، بدا الخطاب الإيراني غارقاً في التناقضات. رئيس النظام، مسعود بزشكيان، ظهر على التلفزيون ليؤكد أن الجمهورية الإسلامية “لا تسعى لامتلاك سلاح نووي”، لكنه رفض بشكل قاطع أي طلب بالتخلي عن “الإنجازات النووية”، معتبراً أن الحوار هدفه السلام وليس المساومة على ما تم تحقيقه. أما عباس عراقجي، كبير المفاوضين، فكان أكثر وضوحاً في رفضه لأي تفاوض حول التخصيب، معتبراً أن “الغني خط أحمر”، وأن رفع العقوبات هو الشرط الأساسي لأي اتفاق.
هذا التباين في المواقف يعكس ارتباكاً داخلياً عميقاً في طهران. من جهة، هناك إدراك بأن استمرار العقوبات وتزايد الضغوط الدولية يقوضان استقرار النظام، ومن جهة أخرى، هناك خوف من أن أي تنازل جوهري قد يُفسر كضعف قاتل يهدد شرعية السلطة أمام قواعدها الصلبة.
مفاوضات بلا نتائج وواقع مأزوم
الجولة الرابعة من المفاوضات في عُمان انتهت دون تقدم ملموس حول القضايا الرئيسية، خصوصاً التخصيب النووي. الجانبان أكدا استمرار الحوار، لكن التصريحات الصادرة من الطرفين كشفت فجوة واسعة في الرؤى: واشنطن تصر على تفكيك كامل للبرنامج النووي، بينما ترفض طهران أي مساس بما تعتبره “حقوقاً مكتسبة”. في الوقت نفسه، تتهم إيران الولايات المتحدة وأوروبا بعدم الجدية، وتعتبر أن الضغوط المتزايدة ليست إلا محاولة لإجبارها على الاستسلام.
في ظل هذا المأزق، يواصل النظام الإيراني إنتاج خطاب متناقض يجمع بين التهديد بالحوار ورفض التراجع، في محاولة لكسب الوقت وتأجيل لحظة الحسم. أما واشنطن، فقد رفعت السقف إلى الحد الأقصى، مؤكدة أن لا اتفاق إلا بتفكيك كامل للبرنامج النووي، وأن البدائل – بما فيها الخيار العسكري – مطروحة إذا استمر التعنت الإيراني.
مأزق بلا حل واضح
تكشف التطورات الأخيرة أن النظام الإيراني يواجه مأزقاً وجودياً بين ضغط دولي لا يرحم، وواقع داخلي يمنعه من تقديم تنازلات حقيقية. الخطاب المتناقض ليس سوى انعكاس لارتباك عميق ومحاولة لتأخير الانهيار السياسي المحتوم، في وقت تزداد فيه عزلة طهران وتضيق خياراتها يوماً بعد يوم.
التعليقات