كتبت : بوسي جاد الكريم
تتزامن تقارير دولية متعددة تصب جميعا في خانة إلقاء الدولار الأميركي إلي الجحيم لإنقاذ الاقتصاد الدولي من هيمنة العملة عابرة القارات وتمثل السلاح الأشد وطأة الذي يستخدمه النظام العالمي الجديد في إخضاع شعوب العالم لورقة نقدية – في حقيقتها – لا تساوي ثمن الحبر المطبوع عليها !!
وقد تصاعدت علي مدي السنوات القليلة الماضية دعوات عالمية لفك ارتباط العملات بالدولار، بما فيها الجنيه المصري الذي ” ارتبط سياسيا ” بمصيدة الدولار الأمريكي ضمن تداعيات قرار قديم يوهم بأن (( 99 % من أوراق اللعبة العالمية بيد أمريكا )) !
ما شجع دول عديدة للإقدام علي الخطوة أو التفكير جديا في تنفيذها أو تنفيذها مرحليا بشكل غير رسمي تزامن مع فقدان قوة الورقة الخضراء في الأسواق العالمية مصحوبة بتراجع سياسي للولايات المتحدة على الصعيد العالمي أو بتدهور اقتصادي أمريكي يعاني منه المواطن الأمريكي نفسه.
التقرير التالي نتناول فيه أحدث ما نشر في هذا المسار، وهو كتاب “الاحتيال العظيم كيف أصبح الدولار أكبر خدعة في التاريخ” لمؤلفه ، الباحث الاقتصادي ” حسن عطا “، كما نري؛
يصف الكاتب؛ الدولار الأمريكي بأنه يسير عكس اتجاه النظريات الاقتصادية الطبيعية، التي تقول بوجوب أن تكون العملة مغطاة بقيمتها ذهباً لإعطائها الموثوقية، إلا أن الدولار يمثل الاستثناء الوحيد بين عملات العالم، منذ أن امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن استبدال الدولار الأمريكي بما يعادل قيمته ذهباً مع أن سعر الذهب يباع عالمياً بالدولار، وسعر الذهب (أونصة الذهب) تحدد حسب سعر البورصة وتقيم بالدولار.
فالولايات المتحدة الأمريكية رفعت الغطاء الذهبي عن الدولار عام 1973، وذلك عندما طالب رئيس جمهورية فرنسا شارل ديغول استبدال ما هو متوفر لدى البنك المركزي الفرنسي من دولارات أمريكية بما يعادلها ذهباً.
كانت هذه هي الخطوة الرئيسية فى استمرار سطوة الدولار كل هذا الوقت على كل ما تراه حولك من تحالفات سياسية أو عداء يصل إلى حد الحرب أو تعاون دولى بما فيه المعونات وقروض البنك الدولى أو أزمات اقتصادية مصطنعة أو انهيارات مالية ملفقة فى الاسواق العالمية يدور حول هدف واحد هو خلق الطلب على الدولار و كلما زاد الطلب عالميا على الدولار زادت قيمته وفى هذه الحاله تستطيع أمريكا أن تطبع المزيد من الدولارات لتمويل احتياجاتها و جيوشها ورخائها علي حساب العالم أجمع !
النظام المالى العالمى بوضعه الحالى و اعتماده على الدولار هو عملية احتيال عظمى مكتملة الأركان بدأت منذ ما يزيد على مائة عام و مازالت مستمرة حتى الآن .
حقيقة الأمر أن الدولار الأمريكي المتداول حاليا لا قيمة مادية له على الإطلاق و هو مجرد ورقة تطبعها أمريكا كعملة ولا يوجد لها احتياطى من الذهب أو عملات أخرى مثل باقى الدول و ذلك منذ قيام الرئيس الأمريكي نيكسون بإلغاء مبدأ تحويل العملة إلى ذهب عام 1971″.
فالولايات المتحدة تقترض يومياً أكثر من ثلاثة مليار دولار حتى وصل دينها إلي ما يقارب 14.9 تريليون دولار ، وهي تقترض هذه المبالغ على شكل سندات تصدرها الحكومة الأمريكية للدول الأجنبية وتعد بفائدة على هذه السندات ولأن فائدة هذه السندات تتزايد فإن الفوائد فقط ستشكل أكثر من 50٪ من الدين العام بعد خمس سنوات تقريبآ، ما يهدد اقتصادها نفسه بالانهيار ويجر معه الاقتصاد الدولي لنفس الهاوية !
هذه الحقائق دفعت القوي الاقتصادية الجديدة الصاعدة، خاصة في بلاد الشرق ، مثل الصين و روسيا و مصر ، إلي إيجاد صيغة مشتركة – كاتفاق غير مكتوب – يستهدف تضافر الجهود للخروج من عباءة الهيمنة الدولارية واستعادة الاستقلال الاقتصادي للدولة، وهو لا يتحقق إلا بعملة قوية حرة مستقلة.
• مصر تقوم والصين تنتفض
كان قيام ثورة الثلاثين من يونيو في مصر ، نقطة تحول فارقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا، إقليميا وعالميا، حيث دفعت المشروع الاستعماري الأميركي في الشرق خطوات إلي الوراء، مقابل منح المشروع الشرقي الاستراتيجي مساحة للظهور بقوة علي الساحة الدولية، وكانت البداية لتدشين هذا التحالف الشرقي بزيارات الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي روسيا ثم الصين وبلاد شرق آسيا، وتوقيع مئات الاتفاقات بمليارات الجنيهات وجذب استثمارات هذه الدول للسوق المصرية ومشروعاتها القومية.
بدورها سارعت بكين بإصدار قرارات مدوية باتجاه فك ارتباط علمتها “اليوان ” بالدولار، وتغيير عقودها الآجلة للنفط، لتكون باليوان بدلا من الدولار، مع ربط عملتها بأسعار الذهب، ما سيزعزع مكانة الدولار، والصين تعد ثاني أكبر مستورد للخام في العالم.
ما أدي لارتفاع أسعار الذهب العالمية إلى 1850 دولارا للأونصة بعد أن كانت 1350 دولارا، بزيادة 500 دولار عن سعر اليوم البالغ 1350 دولارا.
كما ربطت تعاملاتها فى أسواقها وبورصتها باليوان الصينى وعدم الإعتماد على الدولار فى التعاملات الرسميه الصينية، ردأ علي قيام ترامب بفرض رسوم إغراق ضد منتجات الألمونيوم والحديد والصلب الصينية التى اكتحست الأسواق الأمريكية.
وأصبح واضحا اتجاه الصين للتخلي تدريجياً عن الدولار ضمن خطة متكاملة لفك ارتباط عملتها بالدولار، وتهميش دور الدولار في التجارة العالمية، عبر المتاجرة في الذهب باليوان من جهة، وزيادة احتياطاتها من الذهب من جهة أخرى.
• اليوان يصعق الدولار
ترغب الصين عمليا في إنهاء سيطرة الدولار على تجارة ثلاث سلع رئيسية وهي النفط والذهب والفضة.
بينما ضاعفت احتياطاتها من الذهب خلال العامين الماضيين.
في الوقت الذي تجر فيه الديون الاقتصاد الأميركي إلي الحضيض شيئا فشيئا.
الهدف إذن هو أن عندما يسقط الدولار الأميركي ألا يتأثر بهذا السقوط سوي أمريكا وحلفاؤها فقط ليذهبوا جميعا إلي الجحيم… ومعهم الشركات عابرة للقارات والجنسيات المسيطرة علي أسواق العالم.
• السعودية تلحق بالقطار
= السعودية بدورها لم تكن بعيدة عن قطار الهروب من جحيم الدولار، عبر تحالف عقدته – علي خطي مصر – مع الصين لأول مرة في تاريخ الرياض المحسوبة دوما علي المعسكر الغربي الذي يستحوذ علي أصولها النفطية والاستمارية الكبري !
وأزاح تحالف ”اليوان“ الصيني والريال السعودي، الدولار الأمريكي جانباً، في تسوية العلاقات التجارية بين الرياض وبكين، بتأسيس نظام لأسعار الصرف ”المباشرة“ بين عملتي اليوان الصيني والريال السعودي، مؤشرا لشراء الصين للنفط السعودي بعملتها مستقبلاً، فيما سيكون الدولار الأمريكي ”المتضرر الوحيد“ من هذه الشراكة المالية، بإلغاء تداوله في علاقات البلدين.
وجاءت نشرة إصدار السندات الدولية السعودية أخيرا بفتح الطريق لفك ارتباط العملة الوطنية بالدولار الأمريكي لأول مرة منذ 30 عاما، وأن مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) الأحداث المستقبلية، بما فيها انخفاض أصول احتياطية حكومية، قد تدفع لإعادة النظر في سياسة سعر الصرف باتجاه فك الارتباط.
= بالتوازي ؛ أطلقت الخارجية الصينية مباحثات مع القاهرة بشأن مبادلة العملة، لتطبيق ذات النظام القائم بين بكين والرياض، وأن تتم المعاملات التجارية بينهما بعملتي اليوان والجنيه المصري.
• مصر ونافذة علي البريكس
= لم تتأخر مصر عن الركب، حيث سارعت لتدشين علاقاتها مع اتحاد (البريكس) الذي يضم دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، لدعم مستويات التجارة البينية باستخدام عملاتها الوطنية.
وبالمقابل وجهت بكين الدعوة للقاهرة للمشاركة في قمة دول “بريكس” … وعكس حضور الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى كأول زعيم عربى لقمة «بريكس» الأهمية المتزايدة لوزن مصر على الساحة الدولية، بوصفها أكبر دولة عربية وإفريقية.
هدف المشاركين هو وضع نظام اقتصادى جديد، والتصدي لهيمنة العولمة وبحث سبل تفعيل السياسات الحمائية للأسواق المحلية.
جدير بالذكر أن مصر كانت علي وشك الانضمام للبريكس أواخر عهد الرئيس الأسبق مبارك ، لكن الضوء الأحمر صدر من واشنطن بوقف جهود مصر في هذا الاتجاه … فتوقفت !
مصر اليوم أصبحت واحدة من أكثر دول العالم تاهيلا للإنضمام الي تجمع البريكس ، خروجا من عباءة الارتباط بالدولار ، وهو ما جسده قرار البنك الأهلى المصرى باعتماد فرع البنك بالصين التعامل بالعملة الصينية اليوان، بعد اتفاق تم بين البنك المركزى المصرى وبنك الشعب الصينى بتبادل العملة المحلية فيما بينهما بدلا من الدولار الامريكى، لتسهيل فى حركة التبادل التجارى بين البلدين وتعزيز من الاستثمار الصينى فى مصر، فكان له أثر عظيم فى تقليص الطلب على الدولار و خفض سعره أمام الجنيه ، نظرا لان الصين تستحوذ على نصيب الأسد من نسبة الواردات المصرية من الخارج.
تأتي أهمية القرار من أن الصين تعد أكبر دولة موردة لمصر وأكبر شريك تجارى لها فى الوقت الحالى، وتحول التبادل التجارى إلى اليوان بدلا من الدولار مع دخول اعتماد البنك الاهلى بالصين التعامل بالعملة الصينية يخفف الضغط على الدولار لأن التبادل التجارى بين البلدين قد تجاوز 12 مليار دولار، 80% منها واردات من الصين، بالتالي فإن دخول العملة الصينية «اليوان» فى سلة عملات دولية فى البنك المركزى المصرى له أثر إيجابى كبير على كل قطاعات الاقتصاد بشكل عام وعلى الاستيراد بشكل خاص.
• إضاءات
بحسب خبراء تصاعدت توقعات أن تشهد الفترة المقبلة توسعا عالميا فى استخدام العملة الصينية اليوان خاصة مع اتفاق الصين مع نحو 39 دولة أخرى على اعتماد عملتها للقضاء على احتكار الدولار فى السوق العالمية وإسقاطه نهائيا.
واعتماد اليوان من قبل البنك المركزى المصرى يؤثر بالإيجاب بشكل خاص على الاستثمارات الصينية فى مصر حيث تشارك الصين فى نحو 16 مشروعا قوميا لمصر ولديها عمالة صينية كثيفة بالعديد من المناطق المهمة مثل محور قناة السويس ولذا قامت الهيئة العامة لقناة السويس فى أول أكتوبر الماضى باعتماد اليوان عملة فى تعاملاتها التجارية وبذلك يستفيد الصينيون من الجنيه فى المصروفات الخاصة بالمنطقة الصناعية الخاصة بهم غرب خليج السويس الامر الذى يوفر الدولار ويدعم الاحتياطى النقدى للبلاد نتيجة لتخفيض الالتزامات، ويوفر بين 2 و 4 مليارات دولار، ويحسن وضع الجنيه المصرى بشكل كبير أمام العملات الأخرى.
التعليقات