اليوم، مررتُ بمكانٍ عرفته من قبل…
كان جميلًا كما تركته، لكنه لم يَعُد كما كنت أنا.
مشيتُ فيه كمن يعبر دهاليز ذاكرته، فانسابت الصور من بين جدرانه، وتدفقت الذكريات دون استئذان.
تذكرتُ يوم كنتُ في موقعٍ أُحاط فيه بالأضواء…
كنتُ عضو مجلس إدارة في بنك كبير، أحاور قاماتٍ عربية لها وزنها وصوتها…
كنتُ في هيئات، وشركات، ومجالس… كنتُ أصنع القرار، وأرسم الاتجاه.
تذكرت مشروعاتي، وملفّاتي، وتلك الطاولات التي شهدت صولات وجولات.
كل شيءٍ كان يلمع… وكل شيءٍ كان يتحرك من حولي إذا تحركتُ.
● لكن، لا شيء يدوم…
تتبدّل الكراسي، وتتوارى الأسماء، وتفترق الطرق، وتبرد الأماكن.
يبهت كل شيء… حتى الذكريات.
تذكرتُ من كانوا في حياتي: أصدقاء، زملاء، أحباب، ورفاق…
منهم من غاب تحت التراب، ومنهم من اختفى دون وداع، ومنهم من بقي بجسدٍ دون روح.
■حتى الحبّ… ذاك الشعور العظيم الذي نظنّه خالدًا، يبدو هو الآخر، حين يخفت، وكأنه لم يكن !!!
واليوم، رغم ما أشغله من مناصب، وما أمتلكه من علاقات،
اصبحت لا تغرّني الكراسي، ولا تُدهشني الألقاب.
أراها جميعًا كأوراق الخريف…
قد تتمايل لبعض الوقت، لكنها حتمًا ستسقط.
أشعر بيقينٍ ثقيل أن كل شيءٍ إلى زوال…
أن الحياة لا تمنح، بل تُقرض…
وأننا نعيش وسط ما هو مؤقت، حتى نُفاجأ بانتهاء الدور، وانطفاء الأضواء، وعودة الستار.
أليست هذه هي الحقيقة؟
لا المناصب تبقى، ولا العلاقات، ولا حتى القلوب!
كل شيءٍ يمضي…
كأننا نكتب رسائل على صفحة ماء، أو نبني قصورًا على رمال البحر.
لكني لا أجزع…
بل أُسلّم…
وأحاول أن أكون شاهدًا لا أسيرًا… أن أحتفظ بالنور، لا بالبريق…
وأن أستقبل النهاية، كل نهاية، بشيءٍ من الفهم، والقبول، والحكمة.
نعم… كل شيءٍ إلى انتهاء.
. ولعلّ في ذلك سرّ الحياة… لا قسوتها.
التعليقات