العنف يهز مينيابوليس.. و المتظاهرون يحرقون مركز الشرطة
عبدالعزيز محسن
أحرق متظاهرون أميركيون دائرة شرطة مينيابوليس في الحي الذي توفى فيه جورج فلويد على يد الشرطة، وأشعلوا النار في المبنى حيث شاهده العشرات وهو يحترق. وقامت الشرطة بإخلاء المنطقة الثالثة في وقت أن رجال الإطفاء لم يحاولوا الوصول إلى مكان الحريق لإخماده خشية من الحشود التي كانت تتجمع هناك وتلقي قنابل المولوتوف والحجارة والزجاجات الفارغة.
وقال عمدة مينيابوليس جاكوب فراي أنه أصدر أمرا بإخلاء المنطقة بسبب «الخطر الوشيك»، مضيفاً أنه لا يمكن لرمزية المبنى أن تفوق أهمية حياة الضباط أو المتجمهرين.
وقال «لا يمكننا المخاطرة بإصابة خطيرة»، مضيفاً أن «الطوب وقذائف الهاون ليست بنفس أهمية الحياة». هذه المشهدية الدرامية التي تعيشها مينيابوليس ليست جديدة في الولايات المتحدة أو حدث طارئ وعابر، بل هي صفحة من تاريخ طويل من الصراع العنصري الذي يمارسه البيض على المواطنين السود، وآخر حدث في سلسلة عمليات قتل طويلة لأميركيين من أصول إفريقية على يد أفراد الشرطة، وبالطبع سيكون لها تداعياتها السلبية على المجتمع الأميركي الذي ارتفعت فيه النبرة العنصرية والشعبوية منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، خلفاً لأول رئيس أميركي أسود هو الرئيس باراك أوباما الذي لم يسلم وزجته وابنتيه، حتى خلال ولايته، من التنمر العنصري الذي يمارسه البيض بحق السود.
و توفي جورج فلويد، 46 عاماً، بعد أن ركع ضابط شرطة أبيض على رقبته لفترة طويلة خلال اعتقاله في 25 مايو، وأظهر مقطع فيديو جديد انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي اليوم لحظة احتجاز فلويد من قبل أفراد إدارة شرطة مينيابوليس، وفق ما نقلت شبكة «ان بي سي نيوز»، ويظهر الفيديو الجديد فلويد، الذي أشعل موته غضباً في أميركا، على الأرض ومعه العديد من الضباط الذين جاؤوا لاعتقاله.
الفيديو صوّر من الجانب الآخر من الشارع ويظهر ضغط الضابط الأبيض بركبته على رقبة فلويد صاحب البشرة السوداء، وفي بداية الفيديو، يمكن رؤية ثلاثة ضباط يرتدون الزي الرسمي على الأرض مع فلويد، في حين يقف ضابط رابع في مكان قريب. وظهر في الفيديو، شرطي يضع ركبته فوق عنق فلويد المطروح أرضا وهو يقول للشرطي «لا أستطيع التنفس لا أستطيع التنفس.. لا تقتلني». ويرد الشرطي طالباً منه الهدوء بينما يقوم شرطي آخر بإبعاد المارة الذين بدأوا يتململون ولم يعد الرجل الموقوف يتحرك وبدا فاقدا الوعي، وظهرت تسجيلات فيديو أخرى تدحض فرضية طرحتها الشرطة التي قالت إن فلويد كان يحاول صرف ورقة عشرين دولاراً مزيفة، قاوم رجال الشرطة الذين جاؤوا لتوقيفه.
وفي لقطات لكاميرات مراقبة للمطعم الذي تم توقيفه أمامه، يظهر بيديه المكبلتين وراء ظهره ولا يبدي أي مقاومة عند اقتياده من قبل شرطي إلى سيارة دورية. مطالبة بالعدالة ارتفعت الأصوات في جميع أنحاء الولايات المتحدة تطالب بإحقاق العدل، ودعت عائلة جورج فلويد إلى اتهام رجال الشرطة المتورطين بالقتل، وقالت بريدجيت فلويد شقيقة جورج «هذا ما فعلوه بالضبط، ارتكبوا جريمة قتل بحق أخي. .. لدي إيمان وأعتقد أنه سيتم إحقاق العدالة»، مؤكدة أن طرد الشرطيين «ليس كافياً».
وفيما أعلنت السلطات الفيدرالية أنها ستبدأ «تحقيقًا جنائيًا قويًا» في الظروف المحيطة بوفاة فلويد وإعطاء الأمر أولوية قصوى، قالت المحامية إيريكا ماكدونالد والوكيلة الخاصة راينر درولشاجين أن المحققين الجنائيين قالوا عن سبب عدم توجيه أي اتهامات حتى الآن إنهم «لن يتسرعوا»، وانه بغض النظر أن الفيديو المصور مرعب لكن هناك أدلة أخرى لا تدعم تهمة جنائية. وطالب العمدة فراي باعتقال الضابط الذي قام بتثبيت عنق فلويد تحت ركبته، لكن السلطات اكتفت بتسريح هؤلاء الضباط، ما أثار قضية أخرى في مجتمع السود تتعلق بوفاة فريدي غراي، الذي توفي في عام 2015 أثناء وجوده في حجز الشرطة في بالتيمور، ولم تتم محاسبة الضباط الستة المتورطين في الوفاة، فبالرغم من انه وجهت إليهم تهماً جنائية إلا انه لم تتم إدانة أي شخص. شقيق فلويد قال إن العدالة لأخيه تستتبع إلقاء القبض على المتورطين وإدانتهم وتنفيذ عقوبة الإعدام بهم، مردفاً: «هؤلاء الضباط الأربعة، أعدموا أخي».
وقال بن كرومب، وهو محام مدني يمثل أسرة فلويد عقب اتصال مع رئيس البلدية ومكتب المدعي العام: «ما هذا؟ هل هناك نظامان قضائيان واحد لأميركا السوداء والآخر لأميركا البيضاء.. لا يمكن ذلك، يجب أن نحصل على عدالة متساوية للولايات المتحدة وهذا ما أعتقد أن المتظاهرين يطالبون به». الاحتجاج السلمي صعب عائلة فلويد طالبت الغاضبين بالهدوء والاحتجاج السلمي لكنها قالت أن ذلك صعباً، وقال شقيق جورج فلويد، فيلونيس، إنه يريد «أن يكون الجميع مسالمين الآن»، لكنه يفهم ألم المتظاهرين من «رؤية الرجال السود يموتون باستمرار مرارًا وتكرارًا».
وأضاف: «لا أريدهم أن يفعلوا ذلك، لكن لا يمكنني إيقاف الناس الآن لأنهم يعانون من الألم.. لديهم نفس الألم الذي أشعر به.. لا يمكنني أن أجعل الجميع مسالمين.. من الصعب».
اعتقال مراسل أسود
وفي وقت يتطاير الشرر على مقتل فلويد، سجلت ممارسة عنصرية أخرى من قبل الشرطة بحق مراسل شبكة «سي ان ان» عمر جيمينيز وهو من ذوي البشرة السوداء حيث ألقي القبض عليه وهو يقوم بعمله وسط زملاء له بيض البشرة، وبررت الشرطة فعلتها بالقول أنه تم الطلب من الفريق الصحفي بالابتعاد لكن جيمينيز لم يمتثل بأدب مع ضباط الشرطة أثناء حمل تصريحه الصحفي.
واقتربت الشرطة من جوش كامبل، وهو مراسل أبيض لـ «سي ان ان» ولكن لم يتم القبض عليه.
ويقول كامبل: «لقد عوملت بشكل مختلف كثيرًا عن جيمينيز».
الرئيس دونالد ترامب الذي كان قد طلب الخميس من «اف بي اي» التحقيق في الجريمة وإحقاق الحق، عاد أمس لينتقد عمدة مينيابوليس لتعاطيه اللين مع المحتجين الغاضبين، وعلى الرغم من أن حاكم ولاية مينيسوتا قد قام بالفعل بتنشيط الحرس الوطني، إلا أن ترامب قال إنه «سيرسل الحرس الوطني وينجز المهمة بشكل صحيح»، واصفاً المتظاهرين العنيفين بـ «البلطجية»، وبدا أنه اقترح إطلاق النار عليهم، قائلاً في تغريدة على موقع تويتر «سوف نتولى السيطرة ولكن، عندما يبدأ النهب يبدأ إطلاق النار!»، الأمر الذي دفع موقع التواصل الاجتماعي الذي يخوض حالياً معركة حريات مع الرئيس، بوسم التغريدة بأنها تنتهك قواعد منصة وسائل التواصل الاجتماعي بشأن تمجيد العنف. ومع اشتعال الحريق في منطقة شرطة مينيابوليس، حذّر حساب المدينة الخاص على «تويتر» الحشد الغاضب ودعاه إلى التفرق لتفادي أي كارثة قد تنتج عن انفجار أنابيب الغاز في المنطقة أو متفجرات قد تكون داخل المبنى، وقد تفاعل المحتجون مع التغريدة وابتعدوا قليلاً.
نشر الحرس الوطني ونشر الحرس الوطني 500 من عناصره أمس في مدينة مينيابوليس لإعادة الهدوء بعد الليلة الثالثة من الاضطرابات، موضحاً أن هؤلاء سيقدّمون دعما للسلطات المدنية للفترة التي يطلب منهم ذلك فيها، لضمان سلامة الأرواح والممتلكات. ووقّع حاكم الولاية تيم والز أمراً تنفيذياً بعد ظهر الخميس يسمح بتدخل الحرس الوطني.
وكانت الليلة الثالثة من الاحتجاجات أدى إلى حرق مركز الشرطة ونهب نحو 30 متجراً، وقتل شخص واحد في المدينة خلال الحرائق والمواجهات، وتوفي الرجل بعد إصابته برصاصة بالقرب من موقع شهد تظاهرات، وتحقق الشرطة لمعرفة إذا كان هذا الشخص قُتل برصاص أحد أصحاب المحلات في المنطقة. كما جرت احتجاجات خارج منزل أحد ضباط الشرطة البيض الأربعة الضالعين في اعتقال ووفاة فلويد، وكذلك في منزل محامي مقاطعة هينيبين مايك فريمان.
في سانت بول المجاورة، ذكرت السلطات أن 170 شركة تضررت وأن العشرات من الحرائق اندلعت، لكن لم ترد أنباء عن وقوع إصابات خطيرة، وذكرت صحيفة «مينيابوليس ستار تريبيون» أن خمسة أشخاص على الأقل أصيبوا بطلقات نارية.
وأخبر أحد الرجال الصحيفة أنه لا يهم المتظاهرين ما إذا كان البعض يعتبر أساليبهم مقبولة، وأضاف: «علينا أن نلفت انتباههم بطريقة أو بأخرى». وفي لوس أنجليس، التي تشهد باستمرار توتراً بين قوات إنفاذ القانون والسكان السود، أغلق متظاهرون لفترة قصيرة طريقاً سريعاً، وقام بعضهم بتحطيم نوافذ سيارات الشرطة والصعود على سطحها، الأمر الذي أدى إلى جرح متظاهر عندما سقط من على سطح واحدة من هذه السيارات عند انطلاقها.
التعليقات