Site icon جريدة البيان

الخلافات التركية الروسية إلى تصاعد!

بقلم/ نبيل الغنيمى

 
“في السياسة لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، انما مصالح دائمة”. عبارة ونستون تشرشل الشهيرة ميزت العلاقات التركية الروسية على مدى قرون، عبر مراحل من الشد والجذب ، وحروب وعهود سلام.
عادت الخلافات تطل برأسها بقوة بعد شهر عسل قصير ،وكان الطرفان اعلنا تجاوز ازمة اسقاط الطائرة الروسية فوق الحدود التركية – السورية في نوفمبر 2015 ، واطلقا نشاطا مكثفا لاعادة الزخم الى التعاون الثنائي، عبر اطلاق مشروعات مشتركة كبرى، وبدء عملية تطبيع واسعة للعلاقات.
وسادت اجواء تفاؤل في اوساط المال والاعمال، بأن معادلة “فصل السياسة عن التعاون التجاري الاقتصادي” عادت الى التطبيق، بعدما افسدها الخلاف حول سورية الذي بلغ ذروته باسقاط الطائرة. علما بأن هذه المعادلة تحديدا كان لها الفضل في تعزيز التعاون الثنائي، على مدار السنوات العشر التي سبقت التدهور الاخير. ويكفي ان “تحييد الخلافات السياسية” اسفر عن بلوغ حجم التبادل التجارى بين البلدين نحو 40 مليار دولار سنويا ، وهو رقم يعادل تقريبا ضعفي حجم التبادل التجارى لروسيا مع بلدان العالم العربي مجتمعة.
وكانت لدى موسكو وانقرة خطط لزيادة حجم التبادل التجاري ليبلغ 100 مليار دولار في غضون عشر سنوات. كل هذا الزخم كاد ان يقضى عليه نهائيا، في اسوأ ازمة زلزلت علاقات البلدين. ولا يخفى ان الحاجة الاقتصادية والمصالح الكبرى المتبادلة كان لها الدور الاساسي في دفع عملية المصالحة.
لكن التحسن الظاهري في العلاقات، سرعان ما قابله تزايد في اتساع هوة الخلافات مجددا، وبدا ان معادلة فصل السياسة عن الاقتصاد لم تعد تعمل، لأن الخلافات السياسية اسفرت عن جمود في خطوات التطبيع الاقتصادي.
وبرغم اللهجة المرنة التي تميز تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب اردوغان، وحرصهما على مواصلة الاتصالات المباشرة، برزت مؤشرات واضحة الى مواجهة جديدة، لكنها هذه المرة خفية وليست معلنة.
سياسيا، برز ذلك في خطوات موسكو في سوريا، وخصوصا عبر تمركز قوات روسية في بلدة عفرين الكردية، قاطعة الطريق على العملية العسكرية التركية “درع الفرات” الموجهة اصلا ضد الاكراد. في المقابل، حرضت انقرة المعارضة السورية المسلحة على مقاطعة جولة المفاوضات الاخيرة في استانة، ما اسفر عن فشلها. واكثر من ذلك، فقد جاء الترحيب التركي الكبير بالضربة الاميركية على قاعدة “الشعيرات” السورية، ليقلق موسكو من “الشريك التركي في ضمان وقف اطلاق النار في سورية” كما قال برلماني روسي ان هذا الشريك بات يتحول الى مصدر متاعب لموسكو.
واقتصاديا، ردت انقرة على تأخر موسكو برفع القيود على استيراد المواد الغذائية من تركيا، بتدابير اغضبت موسكو، بينها فرض حظر على استيراد القمح والذرة وعباد الشمس والزيوت من روسيا عبر زيادة كبيرة على الرسوم الجمركية بلغت 130 في المئة ما يمكن ان يسبب خسائر لموسكو تصل الى نحو 1.5 مليار لان تركيا تعد ثاني اكبر مستورد للقمح الروسي بعد مصر.
كما قررت تركيا وقف خدمات نقل السفن الى شبه جزيرة القرم، وحظر دخول السفن الروسية المتوجهة من مدينة القرم الى الموانئ التركية. وعادت الى تصريحات المسؤولين الاتراك نبرة التنديد بضم القرم الى روسيا، وانتقاد ما وصف بأنه “تدابير قمع تتار القرم” من جانب روسيا.
وبرز حجم الخلاف في تغطيات وسائل الاعلام الروسية لاستفتاء تعديل الدستور فى تركيا ، لهجات انتقاد واسعة لـ”طموحات السلطان اردوغان باعادة تركيا الى عهود العثمانيين”. برغم ان الموقف الرسمي الروسي المعلن، يقوم على ان الاستفتاء ونتائجه “شأن داخلي تركي وعلى كل الاطراف احترامه”. يعكس هذا التباين بين الموقف الرسمي وتعليقات الصحافة في البلدين ، ويدل في الوقت ذاته الى غياب كبير في الثقة، والى لجوء الطرفين الى اسلوب المواجهة غير المباشرة. ويبقى السؤال: هل تنجح نظرية المصالح الدائمة هذه المرة ايضا؟

Exit mobile version