Site icon جريدة البيان

التمسك بالأمل في سورة يوسف

التمسك بالأمل في سورة يوسف

التمسك بالأمل في سورة يوسف

التمسك بالأمل في سورة يوسف

بقلم .. د. محمد أبو العلا

 
لم يعودنا الحق سبحانه وتعالى في محكم آياته اليأس، ولم يدعُنا إلا إلى التمسك بالأمل، حتى وإن طال بالحزن الأمد، وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يعاني أصفياؤه وأنبياؤه حتى يُخرجَ أفضل ما لديهم – وهم المصطفون الأخيار – وللمتدبر تبدأ سورة يوسف بقصه رؤياه على والده “إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين”، ثم تنتقل السورة الكريمة إلى معاناته، فيجب أن تعرف أن بعد كل بشرى معاناة يجب أن تكون على قدرها وهذا هو الدرس الأول، ثم ينتقل إلى بيت العزيز فُيبتلى، ولم تتحقق رؤياه بعد بل زُج به في السجن، وهنا ينقلنا الحق إلى رؤيةٍ ثانيةٍ قائلاً : “وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ”، و مع أن يوسف تنتظره رؤياه الخاصة، تنتظره أيامٍ يصعد فيها إلى الملك وقد رآها منذ صغره ولم تتحقق بعد، بل زُجَ به في السجن، إلا أنه يفسر لهما رؤيتيهما قائلاً “يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ۖ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ ۚ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ” ومع هذا تفسر الرؤيتان في غضون ثلاثة أيامٍ فقط، وتبقى رؤياه كما هي منذ الطفولة، ثم بعد ذلك يخبرنا الحق بالرؤية الرابعة، وهي رؤيا الملك “وقال الملك إني أرى سبع بقراتٍ سمان يأكلهن سبعٌ عجافٌ وسبع سنبلاتٍ خضرٍ وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون” وعندما يعجز الكهان ومعبري الأحلام عن تفسير رؤيته يظهر لنا أيضاً صاحب الرؤية الأولى التي لم تتحقق بعد، بل إنه سجن ولبث في سجنه بضع سنين، ومع ذلك يأولها سيدنا يوسف عليه السلام، ومعها يتضح أن عمر تفسير هذه الرؤية أربعة عشر عاماً، سبع سنواتٍ من الوفرة والرخاء، وسبعٌ أخرى من الجدب والجفاف، وفي نهاية قصته يأتي اخوته وأبويه، ويخبرنا الحق تعالى بما كان من أمر بعد كل هذه السنوات “وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ “، ولأن وعد الله حقٌ ” فلا تحسبن اللّه مخلف وعده رُسله” فقد تحقق له وعد الله، ولذلك أخبرنا النبي يوسف ملخص قصته التي عاناها رغم يقينه بوعد الله قائلاً “إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين”، فإذا كنت على يقينٍ من الله من فلاحك ونجاحك؛ فلا تستعجل واتق واصبر لعلك تبلغ بفضل الله ما وعدك إياه. هذا عن يقين سيدنا يوسف، لكن مابالنا بيقين سيدنا يعقوب وقد صبر صبراً لا تطيقه النفس البشرية، وفي محكم آياته يقول الحق تعالى “حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ “فحكمة الله قد تقتضي أن تتحقق أحلامك بعد فترةٍ من الزمان، فلا داعي لليأس ،لأنه هو القائل في سورة يوسف أيضاً : “يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون “

Exit mobile version