أظهر التقرير السنوي لمنظمة “مراسلون بلا حدود” الصادر في 2 مايو 2025 أن إيران لا تزال واحدة من أسوأ دول العالم في مجال حرية الصحافة، حيث احتلت المرتبة 176 من أصل 180 دولة، متقدمة فقط على بلدان تعيش أزمات عميقة مثل أفغانستان تحت حكم طالبان. التقرير وصف المشهد الإعلامي في إيران بأنه “حكم رعب” حقيقي، حيث تُمارس الرقابة والتهديدات بشكل يومي ضد الصحفيين ووسائل الإعلام المستقلة، ويُمنع أي خطاب نقدي تجاه النظام.
أبرز الأمثلة على هذا القمع المؤسسي تجلى في تعامل النظام مع كارثة انفجار ميناء رجائي في بندر عباس. رغم ضخامة الحادث الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 70 شخصاً وإصابة أكثر من ألف، ومع ظهور أدلة على أن الانفجار ناجم عن تخزين مواد كيميائية تدخل في تصنيع وقود الصواريخ، حاول الإعلام الرسمي التغطية على الحقائق، مروجاً لرواية “الإهمال الإداري” ومتجاهلاً التحقيقات المستقلة.
في الوقت الذي كانت فيه كبريات الصحف الدولية مثل واشنطن بوست وفايننشال تايمز تنشر تحليلات مبنية على فيديوهات حقيقية وصور أقمار صناعية، كانت السلطات الإيرانية منشغلة في حذف المحتوى المتداول عبر الشبكات الاجتماعية، وفرضت رقابة صارمة على كل من يحاول نشر رواية مستقلة أو حتى نقل شهادات من موقع الحدث. بل إن السلطات هددت الصحفيين المحليين بعدم تغطية الحادث تحت طائلة الملاحقة القضائية، وصدرت تعليمات مباشرة من القضاء بمنع أي تحقيق مستقل حول أسباب الانفجار.
سياسة تكميم الأفواه: تهديدات علنية وقوانين قمعية
هذا السلوك ليس استثناءً، بل يعكس سياسة ثابتة لدى النظام الإيراني. خلال الأسابيع الماضية، أصدرت السلطة القضائية سلسلة من التصريحات العلنية التي هددت المواطنين والصحفيين بالملاحقة والسجن لمجرد “نشر شائعات” أو “محتوى غير منسجم مع منطق الدولة”. وتشمل هذه التهديدات كل من يتناول موضوعات مثل الانفجارات، الأزمات الاقتصادية، الفساد المؤسسي، أو حتى الاحتجاجات الشعبية، حيث تعتبرها السلطات “تهديداً للأمن القومي”.
نتيجة لهذا القمع، يُمنع الحديث عن الفقر، البطالة، الإعدامات، أو الكوارث الكبرى. لا تُنشر الأرقام الحقيقية عن ضحايا الحوادث، ولا يُسمح بتحقيقات صحفية مستقلة حول أداء مؤسسات الدولة. حتى كارثة بندر عباس، التي قاربت في شدتها انفجار مرفأ بيروت، طُويت إعلامياً كما لو كانت حادثاً عابراً.
استمرار هذا القمع الإعلامي لا يهدف فقط إلى حماية صورة النظام، بل إلى إخفاء الحقيقة عن شعب يرزح تحت أزمات خانقة. في غياب الإعلام الحر، تبقى الرواية الوحيدة المتاحة هي تلك التي تكتبها مخابرات النظام وتبصم عليها هيئات الرقابة الرسمية، ما يجعل الحقيقة ضحية دائمة في إيران اليوم.
التعليقات