بقلم/ حازم محمد سيد أحمد
فليدرك كل مسلم الغاية من هذه الحياة ويعيش للإسلام ويدرك قيمة الدنيا من الآخرة وليدرك أيضاً حتمية الموت و الإتعاظ به ثم يرجع الفضل في كل شيء أنعم الله عليه به إلى الله فإنه إذا فعل ذلك يكون قد تربى على هذا المعنى العظيم وهو إنكار الذات وليحذر كل الحذر من إرجاع الفضل إلى نفسه في أي شيء يقول الله تعالى:[قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي] (القصص:78) فكانت عاقبة قارون ما ذكره الله تعالى في قوله:[فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ](القصص:81).
والمسلم إذا أراد أن يربي نفسه على الإسلام فليتذكر هذا المعنى العظيم حين جلوسه في أي مجلس فلا يتكلم إلا إذا طلب منه ولا يحاول أن يظهر مواهبه أمام الآخرين فيشعرون أنهم أقل منه وأنه أفضل منهم ولا يحاول أن يرتقي عليهم بما وهبه الله من مال أو علم أو جاه أو سلطان خاصة إذا كان يود أن يدعو هؤلاء الناس إلى دين الله أو يعلمهم شيئاً من كتاب الله أو يبصرهم بأي فرع من فروع العلم فهم بذلك لن ينقلوا عنه شيئاً ولن يتقبلوا منه ولن يتعلموا على يديه لأنه يشعرهم دائماً أنه أفضل منهم بل يجب الترفق بهم وعدم التعالي عليهم وعدم ذكر شيء من محاسنه إلا بالقدر المطلوب وحين يطلب منه ذلك.
أما إذا كان يود أن يتعلم ممن يجلس معهم ومع ذلك يظهر كل ما عنده من محاسن ومواهب فإنه سيزدرى بينهم بل يجب أن يظهر في صورة المتواضع الحريص على العلم المتعطش للتعلم لأنه لو أظهر عكس ذلك فسيقول له معلموه وشيوخه ما دمت كذلك فلماذا تحضر إلينا؟ أنت ترى في نفسك أنك مؤهل لنشر العلم فانطلق إذاً ولا تجالسنا يقول الله تعالى:[فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى](النجم:32)، ويقول تعالى:[وما وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً](الإسراء:85).
وسئل أحدهم متى تشتهي الصمت؟ قال: عندما أشتهي الكلام هكذا يجب أن يكون المسلم يتحدث بحدود ولا يذكر شيئاً إلا بالقدر المناسب وليتذكر تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وعظيم أخلاقه وهو يعلم عدّاس العبد الذي كان يعمل عند عتبة وشيبة ابني ربيعة ورُقي فهم الرسول لفقه دعوته حين دعا عداَّساً للإسلام وليتعلم أيضاً من الرسول كيف علم الأعرابي الذي بال في المسجد برفق ولين وليتواضع.ومثال آخر للتواضع وإنكار الذات ،في إحدى الفتوحات أيضاً في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان خالد بن الوليد قائد الجيش الإسلامي في غزوة من الغزوات وجاء قرار مرسوم صدر من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يتولى أبو عبيدة الجراح قيادة الجيش وينزل خالد بن الوليد إلى رتبة جندي كأي جندي في الجيش فلم يحزن خالد لذلك ولم يفرح أبو عبيدة بهذه الترقية ولكن الأخلاق الرفيعة لكليهما تعالت عن كل أطماع الدنيا وارتقت بحثاً عن المصلحة فخالد قائد محنك وله خبرة عسكرية وحربية لا يستهان بها حتى أن خطته العسكرية التي رسمها وخططها ونفذها في غزوة مؤتة سنة 9هـ ما زالت حتى الآن تدرس في أعرق وأعظم الكليات الحربية في أرجاء العالم كله, ولم لا ؟ وهو القائد العربي المسلم الذي لم يهزم في غزوة قادها طوال حياته, مع الأخذ في الاعتبار أن أبا عبيدة رضي الله عنه لم تخدعه نفسه وتمسك بالمنصب الجديد بل اتفق مع خالد أن يظل الأمر سرياً للغاية حتى تنتهي الحرب وبالتالي لا تحدث فرقة بين الجنود وبعدما أتم الله النصر للمسلمين في هذه الغزوة أعلن رسمياً على الجنود جميعاً بأن أبا عبيدة الجراح أصبح القائد العام للجيش الإسلامي.
يتضح لنا مما سبق أن المسلم في هذه الحياة يجب ألا يغضب لنفسه ولا يعيش لنفسه بل يعيش للإسلام والمسلمين ففي العطاء والتضحية والبذل والفداء سعادة لا تقل عن السعادة المترتبة عن الأخذ بل إن الإنسان تغمره سادة بالغة عندما يكون سبباً في سعادة الآخرين.ومن هنا أذكر لكل من كان يدعيى أنه سببا فى وجود شيىء ،أو سببا فى رفعة شيىء ،أو سببا فى صنع شيىء فيتذكر ما قلته سابقا عسى أن ينفعه فى حياته .
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا وصلَِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
التعليقات