أجرى الحوار / محمد شبل
ياسر قشلق رجل أعمال سوري من أصل فلسطيني ولد وترعرع فى دمشق ويعد من أبرز السياسين الفلسطينين على أرض سوريا, قام فى الآونة الأخيرة بتأسيس حركة فلسطين حرة الهدف منها مساعدة اللاجئين الفلسطينين فى أى مكان متى تم التواصل معهم, ولقد كان لحركة فلسطين حرة نشاط بارز فى الأزمة السورية, حيث قامت الحركة بدعم النظام السوري ضد المعارضة.
واعتبرت الحركة أن هذه المعارضة عبارة مؤامرة تقودها أمريكا وإسرائيل للقضاء على القوة العسكرية السورية وتقسيم الدولة السورية وتشريد الشعب السورى والإستيلاء على مقدراته وثرواته, وأيضاً كان للحركة الدور الأساسى فى محاربة تنظيم داعش فى مخيم اليرموك عن طريق تشكيلاتها المسلحة التى تسعى للقضاء على الإرهاب فى سورية .
كما عرف “قشلق” فى الحقل السياسي برؤيته الثاقبة وتحليلاته المشهورة بالإستنتاجات التي تواكب الأحداث على الصعيدين الدولى والمحلى, كما عرف عنه أيضاً إنتقاداته لسياسة الحكومة الفلسطينية وأنها دون المستوى للوصول إلى حل شامل للقضية الفلسطينية .
ولقد قامت “البيان” بإجراء هذا الحوار مع رئيس الحركة وكان كالتالى :
أستاذ ياسر، لو بدأنا حديثنا من الملف السوري بحكم إقامتك في دمشق، كيف تقرؤون آخر تطورات الوضع في المنطقة وانعكاساته على الأزمة السورية؟
بكل تأكيد، المنطقة قبل اتفاقية فيينا (الاتفاق النووي) تختلف تماماً عما بعدها، نحن أمام مرحلة جديدة بمعطيات جديدة ومختلفة، لا يمكننا بطبيعة الحال تجاهل أن الاتفاق سيعطي لجميع الأطراف الحرية والمرونة الكافية لإعادة التفكير بالأزمة السورية، وهذا ما شهدناه صراحة حين جرت لقاءات الدوحة، وما سبقها من لقاءات في موسكو ومصر, كما أن الحراك السياسي في المنطقة سيضع الأزمة السورية على طريق الحل
لكن حتى الآن، فيما يتعلق بالأزمة السورية، فإنه من المبكر الحديث عن مبادرات متكاملة، هناك أفكار تطرح وهذا صحيح، لكني أعتقد بالنهاية أنه إن لم تتطابق هذه الأفكار مع طموحات الشعب السوري (وهو صاحب التضحيات العظيمة) فإنها ستبقى مجرّد طروحات سياسية ولن تتطور باتجاه أن تكون مبادرة متكاملة تقدم على أساس أن تكون حلاً لهذه الأزمة.
برأيك، هل يمكن لهذه الأفكار أن تتطور باتجاه أن تكون مبادرة مرضية كحل للأزمة السورية؟
كما قلت، بالدرجة الأولى يجب أن تتطابق مع طموحات الشعب السوري، لكن دعني أضيف أمراً: هناك فرق برأيي بين المبادرة المرضية وبين المبادرة الواقعية، مبادرة مستمدة من قلب الأزمة وليست مترفعة عنها.
لكن بصورة أو بأخرى أعتقد أن الحل الذي نتوقعه لم ينضج بعد بالصورة الكافية لإخراجه على الملأ، وأرى أن الحراك اليوم من شأنه أن يضع الأزمة على طريق السياسة بانتظار أن تتحول نظرة الأطراف المعنية بشكل كامل من مستوى الأوهام والخيال والتنظير والطوباوية إلى مستوى الواقع السياسي الحقيقي.
كم من الوقت يلزم الحل الذي تتحدث عنه حتى نراه واقعاً على الأرض؟
لا يمكن حقيقةً تأطير ما نتحدث عنه بإطار زمني محكم، فالسياسة بالنهاية فن الممكن، لكن وبموجب الاستحقاقات وروزنامة السياسة العالمية أرى أن الفترة الباقية من عمر الإدارة الأمريكية لن تشهد حلولاً كاملة كالتي نتحدث عنها، بمعنى آخر، الحلول المأمولة للمنطقة تتطلب وصول إدارة أمريكية جديدة للبيت الأبيض يمكنها تخفيض السقف العالي الذي بنته إدارة أوباما، ومن الآن وحتى وصول تلك الإدارة سنشهد بعض الحراك الذي من شأنه إعادة تموضع أطراف الأزمة بمواقع تسمح لهم تبني أية استراتيجية جديدة لإدارة أمريكية جديدة.
هل تعني بإعادة التموضع إعادة تشكيل تحالفات المنطقة ؟
بالتأكيد لا، لا يمكن تغيير الحلفاء بين عشية وضحاها مهما فرضت عليك المصالح أن تفعل ذلك، لكن سيكون هناك تحالفات جانبية، اتفاقات مبطنة مع أعداء الأمس، وأحياناً اتفاقات من تحت الطاولة، كل هذا سيكون من شأنه التمهيد للمرحلة المقبلة التي ستكون رسمياً بداية الحل السياسي الحقيقي والواقعي للأزمة السورية.
لنكن دقيقين أكثر، إلى حد بعيد قواعد اللعبة في المنطقة تغيرت، حتى مصطلح “تحالفات” لم يعد بقادر اليوم على استيعاب قواعد الاشتباك الطارئة، لاحظ الحرب على “داعش” مثلاً، لو أن تحالف الحرب المعلن عليه شُكّل على أساس أنه تنظيم إرهابي متطرف فقط لرأيت كل دول العالم قد دخلت بهذا التحالف ولأرسلت قوات برية أيضاً ولجرى القضاء عليه بأشهر قليلة.
لكن لأن أسس تشكيل هذا التحالف تقاطعت مع عوامل أخرى منها مثلاً الملف السوري ككل والأكراد والإشكال العراقي المستعصي..إلخ.. نرى اليوم كيف تصدع هذا التحالف مع أولى أيام قيامه وفشل تالياً بالتصدي للتنظيم، لا بل بالعكس كان أحد العوامل التي ساهمت بتمدد “داعش” واستحواذها على مزيد من المناطق ومصادر القوة والبقاء. إذاً الرهان على التحالفات فقط رهان قاصر، ويجب أن يتوسع ليكون الرهان على الإرادات الحقيقية لدول الإقليم بعيداً عن صراع القوى الكبرى.
لو انتقلنا بالحديث للملف الفلسطيني، هناك من ينظر إلى أزمات المنطقة بأسرها بأنها أزمة واحدة، وبالتالي لا بد وأن يكون هناك حقيبة متكاملة من الحلول وليس حلول إفترادية,: كيف سيؤثر ذلك برأيك على القضية الفلسطينية؟
إلى حد بعيد أنا اتفق مع هذه الرؤية وعلى الأقل من ناحية الأسباب والنتائج، فالفوضى الحاصلة في سوريا ليست مختلفة كثيراً عن الفوضى في العراق، والأحداث التي اندلعت أخيراً في لبنان يمكن قراءتها كذلك على ضوء الأزمة السورية، هذا إلى جانب أن عموم أحداث المنطقة خلال الست سنوات المنصرمة مرتبطة بما أطلق عليه زوراً “الربيع العربي”، إلى ما هنالك من أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية أفرزها ذلك “الربيع”.
فيما يتصل بالقضية الفلسطينية، لا يمكننا بأي حال تجاهل اشتباك القضية الفلسطينية جغرافياً وتاريخياً وديموغرافياً وحتى اقتصادياً مع دول المنطقة، وبالتالي كان واضحاً مدى تأثر الصراع الفلسطيني – الصهيوني سلباً بأحداث “الربيع العربي”، وخاصةً الشق السوري منه، وهذا ما يدفع باتجاه أن يجري إعادة تموضع للقوى والفصائل الفلسطينية على أساس وطني بعيداً عن التحازبات هنا وهناك.
وربما من النافل إعادة التذكير بأن أطرافاً فلسطينية وعلى رأسها حركة حماس اتخذت مع بداية هذا “الربيع” خيارات كارثية عادت بنتائج مفجعة على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، سواء بالداخل الفلسطيني أو بالشتات، وتحديداً عندما حط “الربيع المشؤوم” رحاله في مصر ومن ثم سوريا.
فكلنا يذكر كيف انخرطت حماس بالحدث المصري مدفوعةً بانتمائها لجماعة الإخوان المسلمين، وكيف وضعت أهل غزة في ظل خياراتها الخاطئة عندما حالفت فئة بسيطة من الشعب المصري ضد الشريحة الأكبر، وهو الأمر الذي ينسحب تماماً على الحدث السوري.
ولعلّ ذلك يجبرها اليوم للمضي قدماً بهذه الخيارات عبر الارتماء بالحضن القطري والتركي، ومن ثم وصولها لخيارها الذي تحاول ترسيخه لإنقاذ نفسها والمتمثل بعقد هدنة قد تستمر لعشر سنوات مع العدو الصهيوني، ومن شأن هذه الهدنة لو عقدت أن ترسخ الشقاق الفلسطيني – الفلسطيني إلى غير رجعة، فضلاً عن أن أولى نتائج تلك الخيارات كانت التخلي عن الفلسطينيين في المخيمات السورية، والمشاركة – بقصد أو بدون – بجريمة دفعهم نحو الهجرة وصولاً لإجهاض حق العودة.
السلطة والرئاسة الفلسطينية، حاولت، وتحاول التحرك بالاتجاه المعاكس للملمة هذه النتائج والتأثيرات السلبية، لكني أرى أن مفاعيل هذه التحركات ستبقى محدودة طالما استمر الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني الذي قارب أن يتحول إلى شقاق لا رجعة عنه.
وبالتأكيد، لا يمكننا أن نتجاهل أن أعداء القضية الفلسطينية يستغلون هذه الفوضى لتصفية المشاكل الكبرى بالقضية الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة للاجئين الفلسطينيين، لكني أرى أن مكون أساسي من المكونات الفلسطينية وضع نفسه موضع الأداة الطيعة بيد هؤلاء الأعداء.
ورغم كل هذا، أرى بكل ما يدور، ومهما نظر إليه البعض من منظور سلبي، أرى فيه أفق يشف عن أمل، على الأقل من ناحية كونه حراك قادر على إفراز نخب فلسطينية برؤى وطنية ونضالية جديدة.
“إسرائيل” اليوم متقوقعة على نفسها، تخلت عن أسطورتها المتمثلة بـ”من الفرات إلى النيل” واكتفت بما هو قائم وبنت حول نفسها جدار، هو جدار نسميه نحن جدار فصل عنصري، لكنه بذات الوقت جدار يأسر إسرائيل ويقتل أساطيرها، وهي قائمة بالأصل على هذه الأساطير، وبالتالي إن ماتت هذه الأسطورة لا بد لهذا المجتمع أن يتصدع ويتآكل من الداخل، وسيأتي اليوم الذي نشهد فيه سقوط الكيان بعوامل ذاتية بالدرجة الأولى.
أريد أن أسألك سؤالاً أخيراً من ناحية خلفيتك الاقتصادية وليس كرئيس لحركة سياسية، كيف ترى مناخ الاستثمار في الدول العربية التي شهدت اضطرابات سياسية خلال السنوات الماضية وبالذات في مصر؟
هناك مقولة يرددها عموم الناس تقول: “رأس المال جبان”، دعني هنا أصيغها بكلمة أكثر دقة هي “رأس المال حكيم”، دول “الربيع العربي” إن جاز التعبير تنقسم إلى قسمان، دول في بداية طريق الاستقرار السياسي مثل تونس ومصر، وأخرى لا زالت تبحث عن طريق الاستقرار مثل ليبيا وسوريا واليمن بكل تأكيد.
أما عن الأولى فالاستثمار بها مشجّع ومجزي لأبعد الحدود، لكن يجب أن يترافق بشكل كبير بمزيد من ضمانات الاستقرار السياسي على المدى المتوسط والبعيد، وهو ما تسعى إليه مثلاً جمهورية مصر عبر التشريعات التي تسنها الحكومة الحالية لتعزيز ثقة المستثمرين العرب والأجانب بمناخ الاستثمار في البلد
.
الدول الأخرى، وبالتحديد سوريا، سيكون فيها فرص استثمارية هائلة، وأنا أتوقع وبالاستناد على معطيات وبحوث اقتصادية أنه في القريب وبمجرد أن تتلمس سوريا طريق الاستقرار السياسي فإنها ستشهد طفرة اقتصادية غير مسبوقة بين دول المنطقة، وكما نشهد اليوم موجة لجوء للسوريين نحو أوروبا فإني أرى موجة العودة إليها مجدداً رؤيا اليقين.
كلمة أخيرة ممكن توجهها لمين ؟
أتمنى أن تعود مصر لتقود مع سوريا من جديد المشروع العربي، وأن تنقذ ما يمكن إنقاذه من تراث وعروبة الأمة العربية.
وأقول لأبطال الجيش العربي المصري، جيشكم ليس جيش مصر فقط، جيشكم هو الجيش العربي، هو جيش سوريا وفلسطين والعراق، هو جيش المظلومين، هو جيش المواطن الفقير، فخذوا دوركم بالدفاع عن قضايانا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ورسالتي الأخيرة أوجهها للرئيس عبد الفتاح السيسي أن يأخذ زمام المبادرة العربية، وان يخلق مشروع مصالحة عربية تليق بدور مصر التاريخي الرائد.
التعليقات