الأربعاء الموافق 25 - يونيو - 2025م

ما بعد العاصفة: مكاسب مصر الاستراتيجية من حرب إيران وإسرائيل

ما بعد العاصفة: مكاسب مصر الاستراتيجية من حرب إيران وإسرائيل

بقلم نجيبه المحجوب

 

 

في أعقاب المواجهة العسكرية غير المباشرة بين إيران وإسرائيل، والتي اتخذت طابعًا استنزافيًا متعدد الأوجه، بدا المشهد وكأن الجميع يعلن “انتصاره” الرمزي: إيران تتفاخر بالقدرة على الرد، إسرائيل تزعم تفوقها الدفاعي، أمريكا تحافظ على حضورها، وقطر تستعرض براعتها الإعلامية والدبلوماسية.

 

لكن بعيدًا عن ضجيج “الادّعاءات”، هناك طرف إقليمي خرج بمكاسب هادئة لكنها استراتيجية وأكثر رسوخًا: مصر.

 

★ أولًا: سقوط “الأسطورة الإسرائيلية” وانكشاف قوتها

 

الحرب الأخيرة خلخلت صورتين كانتا راسختين في العقل العربي:

 

الأولى: أن إسرائيل قوة لا تُقهر، قادرة على الحسم الخاطف.

 

الثانية: أن تفوقها التكنولوجي يضمن لها تفوقًا مطلقًا.

 

لكن ما حدث أثبت أن أرضها وسماءها لم تعودا محصنتين، وأن العمق الاستراتيجي الإسرائيلي قابل للاختراق. وهذا يمنح مصر هامشًا من الطمأنينة العسكرية لسنوات، ويعيد ترتيب ميزان الردع في الإقليم لصالح القاهرة، مع احتمال كبير بتراجع النبرة العدائية الإسرائيلية تجاه مصر، خاصة في ملفات إقليمية كغزة وشرق المتوسط.

★ ثانيًا: تحجيم إيران… وتحرير الخليج من “فزّاعة طهران”

 

إيران بدورها خرجت منهكة سياسيًا وعسكريًا، مع انكشاف قدرتها على التصعيد دون قدرة على الحسم.
وهذا أضعف موقعها التهديدي في الخليج، مما يفتح المجال لتحولات كبرى في سياسات دول مجلس التعاون، أهمها:

 

تحرر نسبي من الارتهان للحماية الأميركية.

 

انفتاح على شراكات إقليمية جديدة، تأتي مصر في مقدمتها بوصفها الطرف “المعتدل، المستقر، والمجرب”.

★ ثالثًا: ترسيخ دور مصر كقوة إقليمية مستقلة ومرنة

 

مصر التزمت موقفًا متزنًا خلال الأزمة، فلم تُستدرج إلى محاور متضادة، ولم تتورط في صفقات أو مواقف ملتبسة.

هذا أكسبها احترامًا دوليًا، ورسّخ صورتها كشريك إقليمي “لا يتبع أحدًا”، بل يحدد مصالحه استنادًا إلى حسابات وطنية دقيقة.

 

وعليه، أصبحت القاهرة محورًا محوريًا في أي مشروعات اقتصادية أو أمنية مستقبلية بالمنطقة، يصعب تجاوزها أو استبعادها دون إضرار بالتوازن العام.

★ رابعًا: تراجع قوى الوكالة… وانتهاء “الفوضى الوظيفية”

 

أطراف مثل حماس، حزب الله، الحوثيين، وقوى سورية وليبية كانت تُستخدم كأدوات لإرباك المعادلات العربية، بما فيها المشروع المصري.

لكن الصراع الأخير أضعف قدرتها على التحرك المستقل، بعد تضييق هامش المناورة لدى داعميها التقليديين: إيران، إسرائيل، تركيا، وربما الإمارات والسعودية في مراحل معينة.

 

وبالتالي، نشهد تحولات نحو “تفاهمات براغماتية” بدلًا من “حروب الوكالة”، وهو ما يمنح مصر فرصة لإعادة تثبيت مصالحها على أسس تفاهم شامل لا إقصاء فيه ولا هيمنة.

 

★ خامسًا: استعادة مصر لأولويتها الداخلية

 

التهدئة الإقليمية المتوقعة تتيح لمصر التفرغ لأولوياتها الوطنية:

 

استئناف المشاريع الكبرى التي تعطلت بفعل الضغوط الأمنية والسياسية.

 

استعادة عافية السياحة، بدعم من المناخ الدولي الأكثر استقرارًا.

 

تحقيق مكاسب اقتصادية مباشرة، مثل انخفاض الدولار بـ71 قرشًا مؤخرًا، وانخفاض متوقع في أسعار النفط يتجاوز 10 دولارات، ما قد ينعكس على فاتورة الواردات والتضخم.

 

انتعاش قناة السويس كأحد أهم شرايين التجارة الدولية التي تأثرت جزئيًا بالصراع.

★ ختامًا: الفرصة الذهبية للعرب… إن وُجد القرار

 

ما شهدته المنطقة مؤخرًا ليس فقط صراعًا عسكريًا، بل إعلانًا عن نهاية عصر “الوصاية الدولية على الشرق الأوسط”.

اللاعبون الإقليميون باتوا مضطرين لصياغة “نظام مصالح متوازن” قائم على شراكات حقيقية بدلًا من تحالفات وظيفية.

 

وإذا كانت مصر قد خرجت بمكاسب واضحة، فإن العرب جميعًا أمام لحظة فارقة:

إما البناء على هذا التوازن الجديد لتأسيس شراكات جماعية متينة،

أو العودة مجددًا لحالة التبعية والارتجال… وحينها، ستضيع الفرصة كما ضاعت من قبل.

 

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[ad 3]
[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 82403318
تصميم وتطوير