عبدالعزيز محسن
لا شك أن الرئيس الروسي استفاد كثيراً من فترة رئاسة دونالد ترامب في استعادة الكثير من النفوذ الروسي على مسرح السياسة الدولية، وهو ما يفسِّر عدم مسارعة بوتين لتهنئة الرئيس المنتخب جو بايدن وانتظاره حتى تصديق المجمع الانتخابي على النتيجة قبل أيام قليلة.
وربما يكون بوتين الأخير بين أبرز قادة العالم الذين فضلوا الانتظار قبل تهنئة بايدن، كما انتقد مسؤولون بارزون في موسكو، بمن فيهم رئيس هيئة الانتخابات في البلاد ووزير الخارجية، العملية الانتخابية الأمريكية التي وصفوها بأنها فوضوية ولا تمثل رغبة الشعب.
وفي رسالة التهنئة التي وجهها إلى بايدن، قال بوتين إن بلديهما “يتحملان مسؤولية خاصة حيال الأمن والاستقرار العالميين”، معرباً عن ثقته بأنه بإمكان موسكو وواشنطن “رغم خلافاتهما، المساهمة حقاً في حل العديد من المشكلات والتحديات التي يشهدها العالم حالياً”.
توقيت الهجوم
وبالتالي فإن توقيت الهجوم السيبراني الضخم الذي استهدف الولايات المتحدة، وقد يكون لا يزال مستمراً، يثير كثيراً من التساؤلات بشأن الأهداف التي يسعى بوتين- في حال كانت موسكو بالفعل هي من تقف وراءه- لتحقيقها من وراء معاداة إدارة بايدن التي تؤكد المؤشرات أنها ستكون أكثر صرامة في التعامل مع موسكو من إدارة ترامب بالفعل.
أعلنت واشنطن عن تعرضها لهجوم إلكتروني، وصفته بـ”الكبير والمستمر”، استهدف عدداً من الجهات الحساسة والمهمة في الدولة، فيما بدا أنها عملية كبيرة مخطط لها بعناية، وتمت على مستوى عالٍ من الدقة والحرفية، وذلك يوم الأحد الماضي 13 ديسمبر.
وتشير المعلومات التي تتكشف يوماً بعد يوم إلى أن نطاق الاختراق كان كبيراً جداً، حيث يبدو أنه يتجاوز المعامل النووية وأنظمة البنتاغون ووزارتي الخزانة والتجارة الأمريكيتين، وهو الأمر الذي من شأنه أن يزيد التحدي أمام المحققين الفيدراليين وهم يحاولون تقييم الضرر وفهم ما تمت سرقته.
تعزيز صورة الرئيس الروسي في بلاده
وكالة Bloomberg الأمريكية ذكرت أنه يبدو أن هدف بوتين من شن عاصفة الهجوم الإلكتروني على الوكالات الحكومية الأمريكية هو تعزيز لصورته في الداخل على أنه الزعيم القوي الذي لا يخشى مواجهة عدو الحرب الباردة القديم، حتى وإن كان الكرملين، في الوقت نفسه، ينفي التورط في الأمر وسط مخاوف من رد فعل عنيف عندما يصل جو بايدن إلى البيت الأبيض رسمياً.
ونقلت الوكالة عن أندريه كورتونوف، رئيس “مجلس الشؤون الدولية الروسي” الذي أسسه الكرملين، قوله إن ما حدث “يعزز من هيبة السلطات في الداخل. لكن خارج روسيا، يؤدي ذلك فقط إلى تعميق عدم الثقة ومن ثم يخلق مزيداً من المخاطر” من خلال تأجيج العداء في واشنطن وعواصم غربية أخرى.
ترامب يبرئ بوتين
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو كان أكبر مسؤول أمريكي يربط موسكو مباشرةً بالهجمات، قائلاً في مقابلة إذاعية أجراها يوم الجمعة 18 ديسمبر إن بوتين “لا ينفك يشكّل خطراً حقيقياً على أولئك الذين يحبون الحرية منا. أعتقد أنه يمكننا الآن أن نقول بوضوح تام إن الروس هم المسؤولون عن هذا الهجوم”.
لكن ترامب المشغول تماماً بنتيجة الانتخابات ورفضه لها، استغرق نحو أسبوع قبل أن يعلق على الهجوم ويبدو أنه قرر التعليق فقط دفاعاً عن بوتين، حيث نشر تغريدات أمس السبت 19 ديسمبر ، ناقض فيها تصريحات بومبيو وأشار بدلاً من ذلك إلى أن ثمة احتمالاً أن تكون الصين هي المسؤولة، مؤكداً في الوقت نفسه أن الأمور “تحت السيطرة” وأنه لا داعي لتضخيم الأمر.
عقوبات متوقعة على روسيا
لكن إذا كان بوتين استفاد من الهجوم- الذي لم تتبنه روسيا وتنفيه- داخلياً في تعزيز الشعور القومي لدى مواطنيه الروس، فإنه على الأرجح معرض لموجة ثانية من العقوبات الأمريكية بمجرد أن يتولى بايدن مسؤوليته رسمياً في 20 يناير المقبل.
وقد بدأت المخاطر المتوقعة على روسيا في التكشف الجمعة الماضي تزامناً مع اتهامات بومبيو، إذ تعرض الروبل الروسي لضربة بعد أن حافظ على ارتفاعه لمدة شهرين، حيث انخفضت قيمته بما يصل إلى 1.4% وسط مخاوف متجددة بشأن العقوبات.
ومع ذلك فإن سنوات من العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا تشي بأن الأخيرة أصبحت على ما يبدو أكثر مقاومة للضغوط، وقد لا يتبقى لواشنطن سوى القليل لإخضاعه لعقوباتٍ جديدة دون تعطيل أسواق الطاقة والموارد المعدنية العالمية، حيث تضطلع روسيا بدور مهم في هذه المجالات.
من جانبه تجاهل بوتين أي اتهامات بأنه وراء حملات القرصنة الإلكترونية تلك، وعندما سأله صحفي في المؤتمر الصحفي السنوي للرئيس الروسي يوم الخميس 17 ديسمبر ، بنوعٍ من السخرية والتلميح، عن سبب عدم تمكن المتسللين الروس من تكرار عمليات الاختراق لعام 2016 للمساعدة في إعادة انتخاب ترامب مرة أخرى، ردَّ بوتين السؤال بابتسامة تحمل قدراً من “الاستفزاز”.
التعليقات