بغداد خالد النجار
بغداد عاصمة الثقافة والفن والادب كانت شعلة وضاءة ،ومنبرا للثقافة العربية والعالمية منذ بداية انطلاقتها وتالقها في الاربعينات وخمسينات القرن الماضي ،وقد اضمحل بريقها بعد العدوان عام 2003 ولحد يومنا هذا ،ومع هذا لايزال لدينا الامل ان تعود كما كانت وافضل .
وفي جانب فني وترثي جميل ايضا نتناول اليوم موضوع ( دورسينمات بغداد) حيث كانت الواجهات الحضارية والثقافية لهذه المدينة الخالدة ،
حيث اندثرث معظم معالمها ،وثمة دور سينما كان لها تاريخ حافل بالأمجاد، كونها معلماً حضارياً حرصت العوائل العراقية في سالف الزمان على ارتياده والتمتع بأخرالأفلام العربية وخاصة الافلام المصرية والعراقية والعالمية، ومع الاسف والالم الشديد فإن تلك الصروح الجميلة العملاقة اندثرت واضمحلت وباتت مخازن للاخشاب والحديد والمواد الزراعية والانشائية، والمواد الكيمياوية والبطاريات والتايرات،وبيع العمبة والفلافل والكص والاندومي وغيرها من عبث الزمن ومخلفاته البشرية !!
( البيـــان ) كانت لها جولة في مناطق بغداد ومركزها الحضاري، وانا اتطلع اليها ويعتصرني الالم حين وجدت ان معالم كثيرة وكبيرة قد اندثرت او اخذت طريقها للاندثار المنظم ! بدون ان يكون هناك جهة معنية يهمها ارث بغداد الحضاري والابداعي والفني في ( سينمات بغداد ومسارحها) ،وقبل سنوات التقيت الحاج باقرمشغل عارضة سينما الفضل في شارع الكفاح ليحدثنا عن دورالسينما ايام زمان واليوم فقال متاثرا لـ : لقد كانت سينما الفضل في شارع الكفاح من السينمات الحديثة والتي ترتادها العوائل البغدادية،
وكانت تعمل وفق افضل الحجوزات والتنظيم في اوقات العرض وحجز (اللوجات الخاصة بالعوائل) وهي لاتختلف عن باقي سينمات بغداد المنتشرة في معظم المناطق ،وكان لها تاريخ حافل بالأمجاد، كونها معلماً حضارياً يرتاده الجميع للتمتع باحدث الأفلام واجملها واهمها..
مضيفـا : سينما الفضل كان اسمها الاصلي ( سينما ميترو ) وتم تغيير الاسم بعد سنوات ، كانت سينمات بغداد المنتشرة في العاصمة واذكر منها سينما الخيام والسندباد وريكس وروكسي وسينما أطلس وغرناطة، وسميرا أميس والنجاح والفردوس والنصر وسينما بابل كلها أسماء سينمات ارتبطت ببغداد وشارع السعدون العريق وسط العاصمة،في الرصافة ، إلا أن مظاهر البهجة والشهرة غابت عن تلك الصروح وبات البغداديون القدامى يندبونها على ما حل بها من خراب.. !!
ويؤكد الحاج باقر لـ ( البيـان ) : لقد عملت بائعا للتذاكر وقطعها في مواعيد محددة ،واراقب توزيع الاماكن حسب الترقيم للمشغل، وافضل الافلام ورقيها كانت افلام الويسترن ( الكاوبوي )،
ولكن وبعد العدوان عام 2003على العراق تغيرت الكثير من الامور، وانعكست ايضا على السينمات القديمة حيث تحولت بعض تلك الدور الى اماكن تاوى فيها الحيوانات وكذلك اماكن للرذيلة،والسكر والعربدة ،ولم تعد تدخلها (عوائل محترمة)..
مبينا أن بضعة أنفار ممن وصفهم بأنهم ( المنحطون) يرتادونها بين الحين والآخر، لممارسة ( افعال غير أخلاقية ) ولاتتناسب مع مجتمعنا العراقي الاصيل ..!
على الحداد احد رواد سينمات بغداد انذاك يقول للـ ( البيـان ) الزميل علي حداد من رواد السينمات بقوله : في تجولي بين مناطق بغداد واستذكر فيها ايام زمان الحلوة ومناطقها ومعالمها ومنها السينمات ( دور السينما ) وارى اطلال واشباح تلك الابنية الجميلة في معمارها وبنائها الرائع ،
فوجدت ان أروقة تلك المباني،قد اصبحت ( خرابا ) ويخيم عليها الظلام والقذارة،والواح (الجنكو والفايبر والخشب والصناديق) كاننا في حي التنك !
سينما النصر من اكبر صالات في بغداد حسب مايروي السيد عمر من اهالي منطقة السعدون لـ ( البيـان ): نعم لقد شهدت اقامة حفلات خاصة للفنانين المصريين امثال عبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة وغيرهم من الفنانين .. اليوم ومع الاسف الشديد ،
تم اهمالها وتحولت كما تلاحظون إلى مخازن ومحال تجارية بعد ان عاشت الفترة الذهبية لبغداد واهاليها الكرام !! والتمعت عيناالسيد عمرببريق الحنين وهو يتحدث عن جمال شارع السعدون خلال عقدي الستينيات والسبعينيات حين كانت “دور العرض تتوزع على جانبي الشارع, ورغم أنه كان من سكنة الكرخ إلا إنه كان يذهب عن طريق جسر الجمهورية لمشاهدة الأفلام.
مضيفا :اتذكر وخلال عرض فيلم (نحن لا نزرع الشوك ) من بطولة شادية، حيث كان الحضور فخما جدا الى درجة أنني اضطررت للوقوف في طابور امتد من سينما بابل حيث عرض الفيلم، وعلى بعد شارعين قريباً من ركن سينما النصر، حيث وصل الأمر حينها إلى (بيع التذاكر في السوق السوداء بأضعاف سعرها) على حد قوله.
أن نفس الشيء حدث حين تم عرض فيلم (الخطايا) لعبد الحليم حافظ، فكان يوم الافتتاح كأنه يوم القيامة من كثرة الجمهور، ويردف ضاحكاً أما الحضور ،فأعداد النساء فاقت الرجال بكثير،
وكانت السينما في تلك الفترة تعرض الأفلام من الساعة العاشرة صباحاً، حتى الواحدة بعد منتصف الليل، وتفضل العوائل الفترة المسائية التي تبدأ السابعة مساء وتنتهي الساعة الحادية عشر ليلا..أما نحن الشباب، فكنا نبقى حتى العرض الأخير الذي ينتهي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.
وحين كنا نخرج للشارع في ذلك الوقت المتأخر نجده مزدحما بالعوائل التي كانت تأتي لمشاهدة الأفلام والتنزّه،وان تزايد أعداد مرتادي دورالسينما للتنزه ، كان لمحة من الجانب الاجتماعي الذي عاشه العراق خلال تلك الفترة، حتى أصبح الذهاب لمشاهدة السينما طقس أسبوعي للعائلة العراقية.
كما تحدث مصطفى العبيدي وهو من عشاق السينما قال لـ ( البيان): عندما نقارن بين بغداد الامس واليوم نرى فارقا كبيرا جدا وسلبيا وليس ايجابيا حيث كانت العاصمة بغداد تحاكي عواصم الوطن العربي ومنها (القاهرة وبيروت ) في موضوع استيراد احدث الافلام الامريكية التي تعرض في آن واحد في هذه العواصم الثلاث ففي مجمع سينمات روكسي كانت هناك گازينو وعلى طابقها العلوي توجد مكاتب لأستيراد الافلام الامريكية ،
حيث وضعت لوحاِت كبيرة كل لوحة تؤشر الى اسم الشركة الامريكية،مثل ( شركة وارنر برذر) و( وشركة فوكس القرن العشرين ) و( شركة مترو جولدن ماير) و( شركة يونيفرسال ) و( شركة كولومبيا) و( شركة وارنربروس) وغيرها من الشركات العالمية التي لامثيل لها، ومع الاسف الشديد اصبح حالنا اليوم في ارذله !!
مؤكدا لـ ( البيان ): بغداد كانت ارقى مدن الشرق الاوسط ،والأكثر تطورا اجتماعيا وثقافيا وتعليميا في سنوات عقد الخمسينات من القرن المنصرم ، وكانت تضم مايقارب من ( 60 دارعرض سينمائي ومسارح راقية، واذكر من تلك السينمات .
منها عالمي مثل سينما غازي وسينما الخيام وسينما روكسي الشتوي ثم تحولت الى (مسرح النجاح واستغلتها الفرقة القومية للتمثيل) وسينما ريكس وسينما روكسي الصيفي وسينما الزوراء في منطقة المربعه منتصف شارع الرشيد ، وسينما برودواي وسينما الوطني مقابل ( اورزدي باك) ومن ثم تحولت الى مسرح عرضت فيه مسرحيات عراقية ، وسينما الرشيد ايضا مقابل ( اورزدي باك)وسينما الرافدين الصيفي في السنك ،
وسينما رويال ،وسينما سنترال وهي تقع في الشارع المجاور للمصور الارمني الشهير ( ارشاك) وسينما الحمراء لصاحبها (عصام شريف رجل اعمال عراقي ) كان المستورد الوحيد لمكيفات الهواء (جبسون العالمية ) في وقت لاتعرف عواصم عربية مجاورة ماهي المكيفات ، ومن ثم هدمت ليحل محلها البنك المركزي العراقي…
الحاج ابراهيم احد ختيارية بغداد عليتحدث لـ ( البيان): هناك سينمات اخرى كانت في بغداد وهي سينما القاهرة الصيفي التي تطل على تمثال معروف الرصافي حلت محل سينما الرصافي الصيفي وسينما الشرق في الباب المعظم هدمت منذ عقود، وسينما الخيام الفخمة التي تعد واحدة من ارقى صالات العرض في العالم انذاك ،
داوسينما غازي التي تحاكي صالات العرض بشارع برودواي بمدينة نيويورك هدمت بسبب انشاء جسر الملكة عالية ( جسرالجمهورية) وحلت محلها حديقة الأمة.وسينما غرناطة حلت محل ( سينما ريو ) التي اشتراها رجل الاعمال عصام شريف وبنى سينما غرناطة بمواصفات عالمية.. ولايفوتني ان اذكر ايضا كان هناك مجمع دور سينما تطل على ساحة التحرير حيث هدمت لتحل محلها وزارة الاعلام في عقد السبعينات..وهي سينما النجوم الانيقة المزجج جدرانها بقطع المرايا الصغيرة.
وعلى برنامج سيناراما حيث تاخذ شاشتها نصف دائري من مسرح العرض ، وسينما ميامي التي انفردت بعرض اول فلم عراقي سياسي هو سعيد افندي ،بطولة يوسف العاني وعبدالواحد طه ،وهناك سينما تاج الصيفي ،وسينما ديانا ،وسينما الفارابي الصيفي ،وسينما شهرزاد ،وسينما اوبرا التي انفردت بعرض افلام فريد الاطرش فقط ،وقد لاقت السينما رواجا كبيرا..
واضاف : هناك سينما ريجنت عند نهاية جسر الملك فيصل الثاني ( النهضة ) هدمت وحلت وزارة العدل محلها امتدادا لشارع حيفا الحضاري الكبير..وسينما الملك فيصل الثاني الصيفي على الجانب المقابل لسينما ريجنت بمنطقة الصالحية.
وسينما قدري الارضروملي (بغداد لاحقا) بمنطقة علاوي الحلة..وسينما زبيدة بمنطقة الشيخ معروف خلف العلاوي، وسينما المنصور الانيقة تقع قرب ساحة الاحتفالات الكبرى ،وسينما الفانوس السحري للأطفال بمنطقة السوق المركزي بالمنصور..,سينما المسرح القومي للتمثيل في كرادة مريم..وسينما اليرموك بمنطقة البياع ..وسينما بلقيس وسينما الحمراء التي حلت محل سينما ديانا بتصاميم وديكورات رائعة.
وابو ستار شخصية بغدادية معروفة انذاك والعمر تقدم به يقول لـ ( البيان): بغداد زاخرة بدور السينما واذكر منها ايضا في جانب الرصافة سينما الاورفلي ( السندباد) صاحبها ابن عم الفنانة التشكيلية وداد الاورفه لي..وسينما النجوم تطل على تمثال محسن السعدون بساحة النصر..وسينما أطلس هي بالاساس قاعة كبيرة لصاحبها رجل الاعمال العراقي مهدي طعيمه، والتي كانت معرضا لمكائن والات ثقيلة، حولها المشتري الجديد الى سينما جميلة المنظر.
وجعل لها مدخلا مسقفا بالزجاج الملون وعلى جانبي السقيفة، افتتحت كافتريات ومحال أكل وكان هناك مطعم صغير صاحبه شاب يقدم الكباب البغدادي اللذيذ . وبعد قيام انقلاب 1968 اكتشفت ان هذا الشاب هو صلاح عمر العلي الذي اصبح وزيرا للأعلام .
والمقربون منه يؤكدون انه كان دمث الاخلاق سواء كان في مطعمه او في السلطة او في غربته في لندن..وسينما النصر الكبيرة ,وسينما سمير أميس الفخمة ..وسينما بابل ..وسينما الحرية تقع بين النصر وبابل لم تعمر طويلا فأشترتها الفنانة لميعة توفيق وحولتها الى ملهى الحرية..
طاما سيد حسين من اهالي مدينة الثورة فيقول لـ ( البيان): في مدينة الثورة هناك سينما الرافدين ..وسينما علاء الدين وسينما الشرق الصيفي تقع في محلة كهوة شكرتطل على ساحة النافورة ..وسينما الفردوس الشتوي المطلة على ساحة الوصي ( النهضة لاحقا.. سينما الفردوس الصيفي قرب سوق الصدرية الشهيرمختصة بافلام (جابك والى الهندية الخزعبيلية).
و تحولت الى مستودع اخشاب منذ زمن بعيد..وسينما الاندلس بمنطقة ابو سيفين لم تعمر طويلا وتحولت الى مستودع اخشاب..وسينما مترو الشتوي والصيفي..والتي افتتحها الملك فيصل الثاني وخاله الامير عبدالآله في احتفالية فرشت له سجادة خضراء من منطقة المعدان بمحلة الفضل لغاية باب السينما بعدها فتحت ابواب السينما مجانا للجمهور الواقف لتحية الملك .
وسينما الاعظمية بمنطقة راس الحواش بالاعظمية حولها المرحوم الفنان راسم الجميلي الى مسرح..وسينما دنيا بشارع الامين هدمت بعد ان اخترقها شارع الملكة عالية ( الجمهورية الحالي ..
التعليقات