بعد واقعة طفلة المعادي…
انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال.. مسئولية من؟
باحثة بمعهد الدراسات العليا للطفولة : الاعتداء الجنسي على الأطفال يمثل نحو 18% من إجمالي الحوادث المتعلقة بالطفل
مايزيد عن 22 ألف حالة تحرش تقع في مصر سنويًا، 85% من ضحاياها هم من الأطفال
منظمة اليونيسيف : 83%من الأطفال ضحايا الاعتداء الجنسى حول العالم ﻻ يبلغون عن الجريمة وقت حدوثها
دراسة :35%من حالات التحرش تكون من الأقرباء
استشاري علم نفس: خوف أهل الضحية من الفضيحة والمجتمع، وضعف العلاقة بين الآباء والأبناء ساهم فى إنتشارها
سارة علاء الدين
إنتفضت مواقع السوشيال ميديا في مصر الساعات الماضية بعد واقعة تحرش تم تصويرها لشخص يرتدي بدلة رسمية مع طفلة لا يتجاوز عمرها 6 سنوات في مدخل أحد البنايات بمنطقة المعادي بالقاهرة، تلك الحادثة الموصوفة بـ”المقززة” أثارت سخطًا مجتمعيًا وأمنيًا كبيرًا.
وتعود الواقعة لسيدة تعمل طبيبة في إحدى معامل التحليل بالقاهرة ،حين نشرت مقطعًا مصورًا لما شاهدته لمحاولة التحرش على الكاميرا الموضوعة أمام المعمل لتخرج مسرعة، وتنقذ الفتاة التي تكتشف أنها تعمل بائعة مناديل في إشارات المرور، وبعد سجال مع المتحرش الذي كان يرتدي بدلة رسمية أنيقة، أشارت إليه أن الجريمة صورت صوت وصورة، ما دفعه للهرب.
حالة من الغضب اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي وجعلت البعض ينتفض لتقديم بلاغات للجهات الأمنية لإلقاء القبض علي هذا الشخص الذي تم التعرف على هويته وأرقام هواتفه من خلال صفحته على الفيس بوك، ويدعى (م ج) وبعد ساعات قليلة تم الإيقاع به في إحدى الأماكن المهجورة بالقاهرة، وتم عرضه على النيابة لمباشرة التحقيقات.
الواقعة في حد ذاتها ليست بالجديدة على المجتمع المصري بعدما تحول التحرش الجنسي بالأطفال إلى ظاهرة خلال السنوات الأخيرة، وفق ما أقرته الدراسات وأثبتته الإحصائيات الرسمية والخاصة، لكن الصدمة جاءت من طبيعة الشخص المتحرش ذاته، فهو ليس الفقير المحروم الجاهل المغرر به فكريًا الذي يعاني من أمراض نفسية، كما أن الفتاة ليست بالمثيرة، ملابسًا وجسدًا، فهي طفلة ليس بها أي معالم أنوثة تستثير بها الرجال، وهي المبررات التي كانت تساق في السابق لتبرير مثل هذه الجرائم.
ويعد التحرش الجنسي بالأطفال حلقة واحدة في ترس كبير من الانتهاكات الممارسة بحق أطفال الشوارع، هذه الثروة التي تدفع ثمن الإهمال من الجهات الرسمية من جانب، وأمراض الفقر المجتمعي من جانب أخر، ما أوقعها فريسة لأصحاب النفوس المريضة والنوايا السئية.
ومع كل واقعة كهذه تستفيق معها الضمائر من سباتها، وتتعالى الأصوات المطالبة بإيجاد حل سريع لهذه الأزمة، لكن حين يهدأ الموج تعود الضمائر للارتخاء مرة أخرى، ويخفت الصوت حتى السكوت، ويطي المجتمع هذه الصفحة لحين كارثة جديدة ليعاد فتحها مرة أخرى… فمتى تتحرك الدولة والمجتمع معًا لوضع حلول عملية لتلك الظاهرة التي باتت تهدد الجميع؟
التحرش بالأطفال.. أرقام مرعبة
مايزيد عن 22 ألف حالة تحرش تقع في مصر سنويًا، 85% من ضحاياها هم من الأطفال، فيما يتعرض 20% منهم للقتل أثناء مقاومة المتحرش أو المغتصب، وفق ماكشفت دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بالقاهرة (حكومي).
وفي أول عشرة أشهر فقط خلال عام 2014 تعرض ألف طفل للاغتصاب وفق إحصائية أجراها المجلس القومي للأمومة والطفولة (حكومي) لكن العدد أكبر من ذلك بكثير بحسب العديد من المنظمات المعنية بهذا الشأن، لكن خوف الأهالي من الفضيحة والانتقادات العائلية والمجتمعية حال دون الإبلاغ عنها.
بالعودة للوراء قليلا، نجد أنه في عام 2006 وقع قرابة 52 ألف جريمة تحرش واغتصاب، نسبة كبيرة منها بحق الأطفال وقصار السن، فيما ارتفع العدد إلى 120 ألف خلال عام 2008، بحسب بيانات وزارة الداخلية المصرية، وهي الأرقام التي أثارت حينها فزع المراكز المجتمعية والحقوقية.
السنوات الخمس الأخيرة شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في جرائم الاغتصاب والتحرش، ففي إحصائيات حديثة أشارت إلى أن 85% من تلك الجرائم الأطفال فيها هم الضحايا، وأن مايقرب من نصف تلك الوقائع يُنهي المغتصب جريمته في الدقائق العشر الأولى ثم يتبعها بإيذاء نفسي وجسدي وأحيانا قد يتطور إلى القتل.
وفي دراسة أعدتها أستاذ الإعلام المساعد في معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس؛ فاتن الطنباري، كشفت أن الاعتداء الجنسي على الأطفال يمثل نحو 18% من إجمالي الحوادث المتعلقة بالطفل، وأن 35% من تلك الحوادث يكون الجاني له صلة قرابة بالطفل الضحية،وفي 65% من الحالات لا توجد بينهم صلة قرابة،فيما وقع 82% من الجرائم في أماكن من المفترض أن تكون أمنة للطفل وحدثت من أناس الطفل يثق فيهم و(77%) من المعتدين يحبهم الأطفال.
أطفال الشوارع.. سبًة في جبين المجتمع
لا يمكن الحديث عن التحرش الجنسي بالأطفال بمعزل عن ظاهرة أطفال الشوارع التي يجب أن توضع تحت مجهر الدراسة مجددًا، فهي الحاضنة الأم لمثل تلك الجرائم وغيرها من سرقة وإدمان وتجارة أعضاء، يكون ضحاياها في الغالب من الملقين على أرصفة الطرقات وتحت خرسانات الكباري وبداخل صناديق القمامة.
الأرقام الرسمية الصادرة عن الدولة المصرية تشير إلى أن عدد أطفال الشوارع في جميع أنحاء البلاد يبلغ 16 ألف، لكنه الرقم الذي يناقض الواقع بحسب الجهات والمراكز الاجتماعية الأخرى، التي ترى أن العدد أضعاف ذلك بكثير، وهو ما يمكن قراءته بسهولة خلال جولة سريعة في شوارع وميادين القاهرة والجيزة على وجه التحديد.
مسؤول الاتصالات في مكتب مصر التابع لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، جوناثان كريكس، يرى أن هذا الإحصاء الرسمي “تقدير ناقص” مقارنة بعددهم الحقيقي، مضيفًا في تصريحات صحفية له ” غالبا ما يتألف أطفال الشوارع من عدة أجيال تعيش بلا مأوى أو مسكن قد يسهل الاتصال بهم، ومعظمهم مستبعدون من سجلات الأحوال المدنية ما يجعل عملية توثيق بياناتهم مهمة صعبة”.
السنوات الماضية كشفت وسائل الإعلام المحلية عن حزمة من الجرائم المقززة لوقائع تحرش واغتصاب لأطفال، بعضهم لا يزال رضيعًا، كما هو الحال في حادثة «طفلة البامبرز» عام 2017، حين اغتصب شاب ثلاثيني طفلة عمرها عام وثمانية أشهر، بعد أن قام بخطفها من أمام بيتها بإحدى قرى مركز الدقهلية.
كذلك قضية “حمزة” طفل المطرية بالقاهرة، الذي تم اختطافه من قبل عاطلين، وقاما باغتصابه عام 2018، وإلقاءه من فوق أحد البنايات جثة هامدة، وليس عليه سوى “حفاضة” لستر عورته، فيما كشفت التحقيقات عن تعرضه لتهشم بدني جرًاء عملية الاغتصاب.
من ظاهرة مؤقتة إلى دائمة
مكمن الخطورة في تلك الظاهرة أنها تجاوزت فكرة المرحلية المؤقتة نتيجة افتقاد متطلبات بعينها أو توافر ظروف اجتماعية دفعت لذلك إلى ظاهرة دائمة قائمة على نظام مؤسسي تديره كيانات غير شرعية حولت أطفال الشوارع لسلعة دائمة لها زبائنها، في الداخل والخارج.
العديد من التقارير والأرقام التي كشفتها المؤسسات المعنية بالشأن المجتمعي خلال السنوات الأخيرة تؤكد هذا التخوف، وفق ما ذهب الخبير بمركز حقوق الطفل المصري، عادل بدر، الذي كشف أن هناك منظومة تقوم على استغلال الأطفال جنسيا، لتحقيق أرباحها علي حساب براءة الطفولة وإنسانيتها.
وأضاف في تصريحات له لجريدة “الأهرام” المصرية “الأمر الذي أظهرته ملفات شبكات الدعارة في مباحث الآداب القبض على مخرجة تليفزيونية سابقة تم فصلها من العمل لسلوكها المنحرف، لإدارتها شبكة لممارسة الدعارة مستخدمة الصغيرات، وتضم الشبكة 11 فتاة أقل من 15 سنة، تقدمهن إلي الزبائن وبخاصة الأثرياء العرب بأسعار أغلى من الأخريات الأكبر سنا”.
قائمة كبيرة من الحوادث التي كشفت عنها تحريات الضبط الشرطي والتحقيقات النيابية تشير إلى استغلال الأطفال جنسيًا وفي تجارة الأعضاء من قبل شبكات كبيرة متخصصة في تلك الجرائم، لاسيما في المحافظات ذات الكثافة السكانية الكبيرة كالقاهرة والجيزة الإسكندرية.
أستاذ القانون الجنائى بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، فتوح الشاذلي، يقول إن التحرش ينقسم إلى قسمين، الأول هو التحرش اللفظي ويمثل نحو 54% من الحالات، أما النوع الثاني فهو التحرش الجسدي ويمثل 36% من الجرائم، لافتًا إلى أن الحالات التي يتم ضبطها لا تمثل سوى نسبة ضئيلة جدًا من واقع الظاهرة الإجرامية.
الأكاديمي القانوني كشف أن القانون المصري لم يتضمن حتى وقت قريب نصًا صريحًا بخصوص معاقبة المتحرش، لكنه في الأونة الأخيرة، تحديدًا منذ 2011 بدأ في إعادة النظر في الكثير من النصوص المتعلقة بهذه الجريمة، حيث استحدث عقوبات جديدة على كافة أنواع التحرش التي ذكرها نصًا ومنها التلميحات بالحبس مدة لاتقل عن ستة أشهر وبغرامة لاتقل عن 3000 جنيه ولا تزيد على 5000 جنيه.
ضحية الجميع
رغم الجهود التي تبذلها الدولة المصرية لتطويق تلك الظاهرة لكنها جهود محصورة في حلول تسكينية مؤقتة، لا تعالج الأزمة من جذورها، فوفق ما يشير خبراء الاجتماع فإن الأسباب الرئيسية لانتشار تلك الظاهرة تتمحور في الفقر وعدم المساواة وتفشي المرض وعدم وجود رؤية حكومية مجتمعية للقضاء على هذه السبًة رغم تبعاتها الكارثية.
غياب الوعي والتقوقع داخل مفاهيم اجتماعية يابسة يعد عاملا رئيسيًا في انتشار تلك الجرائم وعدم السيطرة عليها، فرغم كفاية العقوبات المنصوص عليها لردع المتحرشين والمغتصبين بحق الإطفال، إلا أن هناك صعوبات كبيرة في إثبات تلك الجرائم في معظم الحالات، هذا بخلاف تجنب العار والفضيحة حال الكشف عن تلك الجرائم وهي السمة التي تسيطر على العقلية المجتمعية المصرية.
عدم وجود استراتيجية شاملة تتضمن الدولة في المقام الأول بسلطاتها الثلاث(التنفيذية والتشريعية والقضائية) ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والمساجد والكنائس في المقام الثاني، ومعها وسائل الإعلام ثالثًا، سيزيد من تفاقم الأزمة بصورة كبيرة حال استمرت على ماهي عليه، لاسيما في ظل تزايد معدلات الفقر والتي تجاوزت الـ 32% تقريبًا من عدد السكان، مايعني أن قرابة 30 مليون مواطن مصري تحت مستوى خط الفقر، وفق الأرقام الرسمية.
**البعد النفسي والاجتماعي لدى “الضحية-المتحرش“
تقول الدكتورة إيمان عبد الله أستاذ علم نفس التربوى ورئيس مؤسسة للإرشاد النفسى والتدريب والاستشارة،إن ظاهرة التحرش بالأطفال زادت فى الأوانة الأخيرة ،سواء كان هذا الاتصال الجنسي بين طفليين صغيريين أو طفل صغير وشخص بالغ ،لاسيما ما شاهدناه في حادث “طفلة المعادي” ،والذي جعلنا جميعاً نشعر بالتقزز،مما كان يفعله هذا الشخص من مد يده لما حرمه الله سبحانه وتعالى،دون الخوف أو الخشوع أو تدارك المكان أو الزمان،وهنا يجب أن نوضح أن من أسباب إنتشار تلك الظاهرة في المجتمع المصري هو ضعف العلاقة بين الآباء والأبناء وعدم التقرب منهم والفتور العاطفى وعدم الاشباع من العطف والحنان، بالإضافة إلى تشجيع الأهل للطفل على التجاوز فى ممارسة النشاط الجنسى أمام الأطفال والتعرى من قبل الأم والأب أمام الأطفال بصفة مستمرة وعدم الخصوصية الشخصية للطفل فى غلق الأبواب على نفسه أثناء تغير ملابسه أو دخوله للحمام وعدم الوعى بالتربية الجنسية للأطفال حتى الإعلام غير المراقب من الجهات المسئولة أو من الأهل يتسبب فى التقليد الأعمى لتلك الممارسات والشراهة فى عرضها،بجانب خوف أهل الضحية من الفضيحة والمجتمع والتستر على الأمر دون مراعاة للأثر النفسي الذي تركه هذا الفعل المقزز على الطفل الضحية .
وتعد ظاهرة التحرش بالأطفال هي الأكثر إنتشاراً نظراً لأن المتحرش يجد في الطفل ضحية خاضعة لن تقاوم وسهل إستدراجها،بجانب أن الطفل يهاب التهديد والوعيد ،وهذا ما يحدث ونراه في العديد من حالات التحرش بالأطفال،وتكون وقائع التحرش بالأطفال معظمها من الأقرباء.
وتتابع “عبدالله” إن التحرش الجنسى بالأطفال له آثار سلبية كبير ة على نفسية الأطفال ومن أخطر الجرائم، كونه نوع من الاستغلال الجنسى،بجانب أنه ربما يترك أثراً في الضحية ويحوله إلى فاعل ومتحرش بعد بلوغه،لرد ما تم فعله به وهو صغيراً،ويجب أن نفهم أن المتحرش يكون مضطربا دائما وغريبا فى تصرفاته يتودد للطفل باستمرار،كما أنه يكون شخصا عدوانيا سيكوباتى، مضادًا للمجتمع لديه اندفاع شديد مريض نفسيًا أو يتعاطى المخدرات أو الكحوليات وغير سوى وله ميول انحرافية دون رادع ولديه رغبات مكبوتة ينتج عنها تصرفات انحرافية واندفاعية تعرض للتحرش فى صغره، واجتماعيا فإن المتحرش قد تم حرمانه من زرع وإنبات الضمير منذ الطفولة، ونشأته الاجتماعية ضعيفة وتؤدى تلك الممارسات لانهيار النسق القيمى فى المجتمع.
ولكي يتم مواجهة تلك الوقائع من الصغر يجب على الأم إذا لاحظت أن الطفل يخشى شخصًا مرة واحدة فعليها التحرى والاستفسار ولابد من أن تكون العلاقة قوية بين الأم وطفلها لمنع الجرائم ومنح الطفل الثقة بالنفس وشعوره بالأمان والطمأنينة، مؤكدة أن هناك دراسة من منظمة اليونيسيف تؤكد أن 83%من الأطفال ضحايا الاعتداء الجنسى حول العالم ﻻ يبلغون عن الجريمة وقت حدوثها.
التعليقات