تقرير : د . عبد الفتاح عبد الباقي ..
مرآة الحرمين : ” كتاب لإبراهيم رفعت باشا ” الذي كان يتولى حراسة المحمل المصري وكسوة الكعبة , فى صفحة 185 يتكلم عن التكية المصرية في جدة ومكة والمدينة يقول : ”التكية المصرية – هي من الآثار الجليلة ذات الخيرات العميمة ، وأنها نعمة الصدقة الجارية لمسديها ثواب جزيل وأخر عظيم ، وقد أنشأها ساكن الجنان محمد علي باشا رأس الأسرة الخديوية في سنة 1238 هجريا “ وقد خصص محمد علي هذه التكية لخدمة فقراء الحرم المكي من جميع الجنسيات والشعوب المختلفة الذين أعوزتهم الحاجة ولا يجدون مأوي يأوون إليه ولا يجدون طعاما يقيمون به أودهم. وأضاف ” يرد إليها من الفقراء في الصباح والمساء، فيتناول الفقير في كل مرة رغيفين وشيئا من “الشربة” وربما أعُطي أكثر من ذلك إن كان فقره مدقعا, وكثير من نساء مكة وحواريها الفقراء يتعيشن بما يأخذن ويكتفين بذلك عن مسألة الناس ويصرف يوميا من الخبر والأزر واللحوم والسمن. وتزيد الكميات كل يوم خميس ، وكذلك طوال أيام شهر رمضان المبارك ، وأيام الحج. وكان عدد الأشخاص المستفيدين يوميا من تكية مكة في الأيام العادية أكثر من 400 شخص ، ويزيد العدد في شهر رمضان وما يليه من شهور ليصل إلى أكثر من 4 آلاف شخص في اليوم الواحد خلال موسم الحج. وللتكية ناظر ومعاون وكتبة يقومون جميعا بخدمة الفقراء . وبها طاحونة لطحن القمح . وفيها مطبخ واسع به ثمانية أماكن يوضع عليها أوان ثمان من ذات الحجم الكبير (قزانات ) . وفيها مخبز ذو بابين يخبر به العيش ومخزن وحجر للمستخدمين. وفي مدة الحج يسكنها بعض عمال المحمل كالطبيب والصيدلي وكاتب القسم العسكري. وكانت خدمة تكية مكة والإنفاق عليها ميدانا للتسابق بين حكام الأسرة العلوية، وكان للخديوي عباس حلمي الثاني فضائل على التكية.. وكما يقول قومندان المحمل المصري إبراهيم رفعت باشا كتب بيتان من الشعر على باب التكية يقولان: ((( لعباس مولانا الخديوي فضائل .. عليها دليل كل يوم مجدد رأيناه قد أحيا تكية جده … فقلنا أعباس بني أو محمد ))) ويعبر البيتان عن وجود إصلاحات وتعديلات على وظائف التكية أدخلها خديوي مصر عباس حلمي الثاني ، والذي عرف باهتمامه بالآثار المصرية ، والعديد من الإصلاحات التي أجريت على المساجد والمباني الإسلامية في مصر تعود إلى عصر هذا الخديوي ويصف لنا رفعت باشا الجو الروحاني للتكية من الداخل فيقول (( ولو سمعت الأدعية المتصاعدة من قلوب الفقراء لرب هذه النعمة لأكبرت هذا العمل، وانساقت نفسك إلى أمثاله إن كان لديك سعة في المال وبسطة))) ولم تكن التكية المصرية وحدها في مكة ، فقد شاركتها تكايا آخري ، لكنها كانت الوحيدة التي يأوي إليها الفقراء ، فيقول رفعت باشا في ختام حديثه عن التكية المصرية بمكة ” أما التكايا الأخرى فلم أزرها ، لأنه لا يأوي إليها فقير )) تكية المدينة المنورة: أنشأها إبراهيم باشا بن محمد علي بمنطقة المناخة على يسار باب العنبرية, ويبلغ طولها 89 مترا وعرضها 50 مترا .. وقد زودها إبراهيم باشا بالمخازن والأفران والمطابخ ويأتيها رزقها رغدا من القمح والأرز واللحم وغير ذلك من ديوان الأوقاف بمصر حيث تفتح أبوابها لكل الفقراء بدون استثناء وكذلك كانت تأتي رواتب الناظر والموظفين الذين يعينون من قبل الحكومة المصرية. وفي عهد والي مصر سعيد باشا حظيت تكية المدينة المنورة بعنايته وأصدر أمره في شهر رمضان سنة 1277 هجريا / 1860 ميلاديا بزيادة مرتباتها من اللحم والأرز والغلال وغير ذلك بالإضافة إلى زيادة مرتبات موظفيها .. واشتملت أوامر سعيد باشا على أن تجمع تلك النقود من إيراد بعض أملاكه الخاصة في مديرية البحيرة .. أما الغلال فترسل من الأرض التي يملكها في فارسكور . أما الأرز فيرسل من زراعة ديروط . كما اشترطت أوامر الوالي المصري أن تكون مصاريف النقل مأخوذة من إيراد أرضه في البحيرة. وبلغت مساحة الأراضي الموقوفة على هذه الأمور الخيرية أربعة آلاف وسبعمائة وواحدا وخمسين فدانا وهو وما يوضح حرص سعيد باشا على الإنفاق على التكية من ماله وأملاكه الخاصة حتى تكون قربي له عند الله يوم القيامة. يفسر بعض المؤرخين عناية سعيد بتكية المدينة دون تكية مكة بأن الوالي المصري كانت له زيارة خاصة إلى المدينة المنورة في 11 رجب سنة 1277 هجريا / 1860 ميلاديا لزيارة مقام الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم. وفي عام 1909 بلغت النفقات على التكيتين في مكة والمدينة 1960 جنيها ، فيما بلغ إجمال نفقات مصر في الحرمين 50 ألف جنيه. وفى قضية فساد كبرى لعصر مبارك تم بيع التكية سرا وهدمت سرا عام 1983 وسوف أتناول فى مقال قادم قصة التآمر على التكية المصرية فى عصر مبارك وبيعها سرا .
التعليقات