الثلاثاء الموافق 13 - مايو - 2025م

إيران بين دعم الحلفاء وضرورات التفاوض: مراجعة براغماتية في ملف الحوثيين  

إيران بين دعم الحلفاء وضرورات التفاوض: مراجعة براغماتية في ملف الحوثيين  

 

تشهد السياسة الإيرانية في الإقليم تحولاً ملحوظاً في طريقة إدارتها للعلاقة مع حلفائها، خاصة جماعة الحوثي في اليمن. في الوقت الذي تقترب فيه طهران من جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة مع الغرب حول ملفها النووي، بات واضحاً أن القيادة الإيرانية تسعى إلى رسم مسافة جديدة بينها وبين حلفائها، بما يسمح لها بالمناورة الدبلوماسية دون خسارة أوراق النفوذ التي راكمتها على مدى سنوات.

لم تعد إيران تفرض على حلفائها مساراً واحداً أو تعليمات مباشرة، بل تمنحهم هامشاً واسعاً من الحرية في اتخاذ القرار، مع التشديد على ضرورة الحفاظ على موقعهم في المعادلة السياسية المحلية والإقليمية. هذا التوجه الجديد يسمح لطهران بأن تذهب إلى طاولة التفاوض مع الغرب بيد خالية من التصعيد الميداني، خصوصاً في اليمن، حيث أبدت الجماعة الحوثية مرونة لافتة في التعاطي مع مبادرات وقف إطلاق النار وتهدئة المواجهة مع الولايات المتحدة في البحر الأحمر.

البراغماتية الإيرانية: تسوية مع واشنطن مقابل نفوذ مستدام

التحول في موقف طهران تجاه الحوثيين لا يعني التخلي عنهم، بل هو محاولة ذكية لإعادة توزيع الأدوار والأوزان. إيران تدرك أن ملف النفوذ الإقليمي سيُطرح عاجلاً أو آجلاً على طاولة التفاوض العلني بعد النووي، وهي تسعى للحفاظ على حضور حلفائها كقوى سياسية لا يمكن تجاوزها في أي تسوية مستقبلية.

هذا النهج البراغماتي تجلى في التسوية الأخيرة التي أوقفت الهجمات المتبادلة بين القوات الأميركية والحوثيين، وهي خطوة لم تكن لتتحقق دون ضوء أخضر إيراني ضمن مسار بناء الثقة مع واشنطن. في المقابل، أبقت إيران الباب مفتوحاً أمام حلفائها لعقد تفاهمات محلية أو إقليمية تضمن لهم البقاء السياسي، مع تشديدها على الفصل بين أي حوار تجريه مع الغرب وأي تفاهمات تعقدها هذه الجماعات.

تحديات الحلفاء: بين البراغماتية والجمود العقائدي

المرونة التي أظهرها الحوثيون في اليمن لم تجد صدى مماثلاً لدى حلفاء طهران في لبنان أو بعض الفصائل العراقية، حيث لا تزال الحسابات العقائدية تقيّد هامش المناورة. في اليمن، تغليب منطق الدولة على منطق الجماعة سمح للحوثيين بالحصول على مقعد في أي مفاوضات مستقبلية حول النظام الإقليمي، بينما بقي الحليف اللبناني رهينة مواقفه الأيديولوجية، غير قادر على التكيف مع متغيرات المشهد الإقليمي.

إن حرية العمل التي منحتها إيران لحلفائها في اليمن، مع الإبقاء على خطوط التواصل مفتوحة، تعكس وعياً استراتيجياً بضرورة التكيف مع ضغوط التفاوض مع الغرب، دون التضحية بالأوراق الإقليمية. ومع ذلك، يبقى نجاح هذا النهج مرهوناً بقدرة هذه الجماعات على تجاوز الجمود العقائدي وتبني سياسات أكثر براغماتية في ظل المتغيرات الدولية.

خاتمة

في المحصلة، تسعى إيران إلى تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على نفوذها الإقليمي وفتح الباب أمام تسويات سياسية تساعدها في التفاوض مع الغرب. هذه البراغماتية الجديدة قد تمنح طهران مساحة أوسع للمناورة، لكنها تضع حلفاءها أمام اختبار حقيقي: إما الانخراط في تسويات مرنة تضمن لهم البقاء، أو البقاء أسرى خطاب أيديولوجي لم يعد كافياً لمواجهة التحديات الراهنة.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[ad 3]
[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

إعلان بنك مصر

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 81636236
تصميم وتطوير