صلاح جنيدى يكتب
في لحظةٍ أغلق فيها الزمن أبوابه، وتفتحت نوافذ الروح على نورٍ سماوي، جمعني القدر بالصديق الغالي، الشاعر الكبير / عبدالعزيز جويدة، ذلك القلب الذي يسير على الأرض وهو معلق بالسماء، وتلك الروح التي ما انفكت تسجد حبًا لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
● كان اللقاء همسةً بين الأرواح، ومقامًا من مقامات العشق النبوي، حيث خفت صوت الدنيا، ولم يبقَ إلا صدى الحب يملأ القلوب بالسكينة والخشوع.
ولما جاء ذكر قصيدته العظيمة “أحبك يا رسول الله ،،
و بدأت أقرأ :
صحيحٌ ما رأيتُ النورَ .. من وجهِكْ .
ولا يومًا سمعتُ العذبَ .. من صوتِكْ
ولا يومًا حملتُ السيفَ في رَكبِكْ
ولا يومًا تطايرَ من هنا غضبي
. كجمرِ النار ..
ولا حاربتُ في أُحُدٍ .. ولا قَتَّلتُ في بدرٍ ..
. صناديدًا من الكفَّارْ
وما هاجرتُ في يومٍ، .. ولا كنتُ .. من الأنصارْ
ولا يومًا حملتُ الزادَ والتقوى .. لبابِ الغارْ
ولكنْ يا نبيَّ اللهْ .. أنا واللهِ أحببتُكْ
. لهيبُ الحبِّ في قلبي
. كما الإعصارْ
فهل تَقبلْ .. حبيبي يا رسولَ اللهِ
” هل تقبلْ؟ “
نعم جئتُ ..
. هنا متأخرًا جدًّا . .. ولكنْ .. ليس لي حيلةْ
ولو كانَ .. قدومُ المرءِ حينَ يشاءْ
. لكنتُ رجوتُ تعجيلَهْ
وعندي دائمًا شيءٌ من الحيرةْ .. فمَن سأكونْ
. أمامَ الصَّحْبِ والخِيرةْ
فما كنتُ ..
أنا “أنسَ” الذي خدمَكْ
ولا “عُمرَ” الذي سندَكْ
وما كنتُ ..
. “أبا بكرٍ” وقد صدَقَكْ
وما كنتُ ..
. “عليًّا” عندما حَفِظَكْ
ولا “عثمانَ” حينَ نراهُ قد نصرَكْ
وما كنتُ ..
أنا “حمزةْ”
ولا عَمْرًا، ولا “خالدْ”
وإسلامي ..
أنا قد نِلتُهُ شرفًا
. من الوالِدْ
ولم أسمعْ “بلالاً” لحظةَ التكبيرْ
ولا جسمي انشوى حيًا
. بصحراءٍ بكلِّ هجيرْ
وما حطَّمتُ أصنامًا
. ولا قاتلْتُ في يومٍ ..
. جنودَ الكفرِ والتكفيرْ
وما قُطِعَتْ يدي في الحربْ
ولم يدخلْ هنا رمحٌ
. إلى صدري
. يَشُقُّ القلبْ
ولم أُقدِمْ على شيءٍ،
ولم أهربْ
ولا يومًا حَملْتُ لواءْ
ولا واجهتُ في شَممٍ
. هنا الأعداءْ
ولا يومًا رفعتُ الرايَ خفَّاقةْ
أنا طفلٌ يُداري فيكَ إخفاقَهْ
. ولكنْ يا رسولَ اللهْ
. أنا نفسي
. لحبِّكَ يا رسولَ اللهْ
. وحبِّ اللهِ تَوَّاقَةْ !!
● رأيت بعيني كيف ارتجف صوته، وكيف أضاءت الدموع مقلتيه، وكأن ذكراها تعود به إلى حضرة النبي نفسه، إلى تلك اللحظة التي كتب فيها بحبر القلب، لا بحبر القلم. أدركت أن هذه القصيدة ليست مجرد نظمٍ جميل، بل كانت صلاةً، ومناجاةً، وبكاءً خاشعًا، ودعاءً يطير بجناحي الشوق نحو حضرة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
● عبدالعزيز جويدة، ذلك العاشق العابر للزمن، لم يكتب قصيدته ليصف حبه فحسب، بل ليدخلنا جميعًا إلى محراب حبه، حيث تتجرد الأرواح من أثقال الدنيا، وتنادي مع كل بيت، مع كل كلمة: “أحبك يا رسول الله”.
● في قصيدته، لا نجد شاعرًا يتفاخر أو يختال، بل نرى عبدًا ذليلًا، طفلًا صغيرًا يداري دمعه، رجلاً مكسور القلب أمام عظمة النبي، يتمنى لو أنه كان مع الصحابة، يتمنى لو قاتل، أو ذاد، أو حتى سار خلف راية الحب واليقين.
بكل خجل المحب، بكل ضعف العاشق، يقول الشاعر:
“لم أرك، ولم أسمع صوتك، ولم أقاتل بين يديك… لكنني أحبك، والله يعلم ما في القلب.”
وهل هناك صدق أبلغ من صدق من يقر بعجزه أمام حب لا يقيده شرط ولا يلزمه دليل؟
●● لقد أبدع جويدة عندما جعل من القصيدة سفرًا طويلًا في رحاب النبي الإنسان: محمد الذي يحب الجار، ويحنو على الصغير، ويحفظ العهد، ويعفو عن من ظلمه، ويبكي لألم الأمة. محمد الذي لم يكن فقط رسولاً، بل كان أبًا وزوجًا وصديقًا وجارًا وقائدًا وحبيبًا لكل قلبٍ عرف معنى الرحمة.
▪︎ في لحظة استثنائية، استطاع الشاعر أن يحملنا معه إلى الغار، إلى لحظة نزول الوحي، إلى بيت خديجة رضي الله عنها، حيث يتدثر الرسول خوفًا، ويحضن الحب قلبه ليطمئنه.
▪︎ يحملنا إلى المدينة، إلى مكة، إلى بدر، إلى أحد، إلى لحظة البكاء عند الفراق، إلى موقف الحشر، حيث نقف كلنا عراة ضعفاء، لا نملك إلا أمل شفاعة الحبيب.
يا لها من قصيدة!
قصيدة ليست كلمات تُقرأ فحسب، بل دموع تُسكب، ودعوات ترفرف، وقلوب تُفتح لتملؤها محبة محمد.
●● وفي لقائي معه أمس، رأيت في عبدالعزيز جويدة ما يؤكد أن القصائد الحقيقية لا تُكتب بالقلم، بل تُكتب بالروح، وأن حب النبي صلى الله عليه وسلم متى سكن القلب، حول الإنسان إلى شعلة نور تمشي على الأرض.
. ” أحبك يا رسول الله ”
قالها الشاعر، ورددناها معه، وستظل القلوب الصادقة ترددها حتى نلقاك يا حبيب الله، على الحوض، وعلى باب الجنة.
وصدق عبدالعزيز جويدة، حين جعلنا — ونحن نقرأ قصيدته — نسجد في محراب الحب النبوي، وندعو الله أن يحشرنا مع هذا النبي العظيم، ومع كل قلب أحبه بصدق، وبرهن على عشقه بالدعاء والدموع والخشوع.
●● فلصديقي العزيز عبدالعزيز جويدة، كل الحب والامتنان، وللحبيب المصطفى، كل الشوق والدعاء.
●● اللهم اجعلنا من الذين يحبون نبيك حق الحب، وينالون شفاعته يوم لا ينفع مال ولا بنون ،
اللهم آمين يارب العالمين و الصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد رسول الله ،،